الاثنين، 14 أكتوبر 2013

من لا يدرس التاريخ يسخر منه التاريخ

من لا يدرس التاريخ يسخر منه التاريخ:
مما يحير فلاسفة هذا الساخر ممن لا يدرسه(التاريخ)، ما ينشأ عن العلّة التافهة من نتائج عظيمة.
وإن كان هناك معنىً يمكن أن يُفهَم منه شيءٌ من الصلة بين تافه العِلل وجَسامة الأحداث،فأظن أنه يتمثل في ضعف اعتبار الواقع.
لعشرات السنين كانوا يقولون: إن النعامة إذا أحسّت بالخطر فإنها تدسّ رأسها في التراب، ولقد ظلتْ هذه المقولة زمناً يُتَمَثل به كل مَن رأى ما يستدعي مقولة النعامة والتراب.
وجاء علم الحيوانات وطبائعها ليرفع الظلم عن النعامة، وأبان أنها إنما تفعل ذلك لا لتتخفى كما يظنه المغفلون، إنما تفعل ذلك لتسمع وقع العدوّ فنحدد مسافة الخطر القادم ، لترسم خطة الهروب الكبير من عدوها بأي اتجاه بأي سرعة تنبغي.
وما بالك بالذي يزور التاريخ لمصلحة شخصية يقضي بها مآربه الخسيسية من اجل منصب أو بلوغ جاه أو حفنة من مال.
كثير ممن رفضوا الدين واحتكام الشريعة عمدوا للتاريخ الإسلامي تشويها وتزويرا وانتقاصا واحتقارا.
وما هذا بالباحث المعتدل ، ولكن طبعهم في نيل رضى أعداء الإسلام جعلهم يسلكون هذا المسلك الشائن.
قال بدوي الجبل:
يا مكرم الغرباء و العربي محتقر  مهان
تاريخ قومي في يديك يدان حسبك ما يدان
زوّرته وسطا على الأقداس أرعن ألعبان
ما عفّ في الموتى هواه و لا الضمير و لا اللّسان
يا عبقري الظّلم فيه لك ابتداع و افتنان
 إن دراسة التاريخ  للاستفادة منه في الحياة والأحياء، والإفادة منه في المعاش والمعاد، ودراسة التاريخ تكون على وعي وتقبل ومعرفة الواقع وما كان وملابساته، وبمعنى آخر هو النظر للتاريخ من واقع صورة كبيرة بتفاصيلها وزواياها، هكذا نستفيد من التاريخ.
فقد قص القرآن علينا أحداثا تاريخية،أبرز فيها مواطن العبرات ومعالم العظات (لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب).
وقد شرع العرب في تدوين الحوادث التاريخية في القرن الأول الهجري:
فقد دوَّن أبو مخنف الأزدي من أصحاب الإمام علي فصولا من أحداث التاريخ، وكذلك فعل سيف بن عمر، وكذا الواقدي،وسواهم.
كما أن عَبيد بن شَريَة الجرهمي كان يحدث معاوية بأحداث الأمم السابقة، فأمره أن يُدوِّنها فَدَوَّنها في كتاب الملوك وأخبار الماضين.
كما  أنبأنا ابن النديم في كتابه الفهرست عن العلماء الذين أَلَّفوا في التاريخ وكتبهم وأسمائها.
ولم يكتف المؤرخون العرب بتدوين الأحداث العامة بل  تخصصوا فمنهم من ألف في السيرة النبوية وآخر في الصخابة وثالث في المغازي النبوية.
ثم ظهرت كتب الطبقات المختلفة التي تحكي عن العلماء باختلاف أنواعهم أو طبقات مخصوصة لنوع من العلماء كطبقات المفسرين أو المحدثين أو القراء أو الأطباء أو الفلاسفة وغير ذلك.
قال المؤرخ الشيخ محمد بن شاكر الكتبي في مقدمة كتاب فوات الوفيات:
علم التاريخ مرآة الزمان لمن تدبر، ومشكاة أنوار يَطَّلِع بها على تجارب الأمم مَن أمعن النظر والتفكير.
قال جبران خليل جبران:
راع تخير خطة فغدا بها ** ومثاله بين الرعاة فريد  
علامة بحاثة متضلع ** من دأبه التصويب والتسديد
في كتبه للعرب تاريخ به ** يجلى العتيد ولا يغيب عهيد
وقال الشيخ محمد زاهد الكوثري في مقدمة الأعلام الشرقية :
إنما يكتب التاريخ بالتراجم، والمترجمون هم حياة التاريخ، وهم الذين صاغوه بعملهم وخلقهم وصوابهم وخطئهم....
أما العودة للتاريخ للتغني به والتمثل بالقول دون عمل، وبالتفاخر به وواقعنا هو ذل وخضوع وبؤس وتعاسة ، فهذا من السذاجة والحمق ما لا يُوصف.
ومن يستطيع أن يفسر لنا ما نحن فيه تفسيرا علميا يدفع به عنا تُهمَة العجز والجهل؟
قال محمد إقبال:
أمة قد نسيت سيرتها ** ينسخ الدهر غماً آيتها
أنتِ سفر كتبته السيرة ** خيطه أيامك الموصولة
ثوبنا أيامنا في الزمن ** وخياط الثوب حفظ السنن
ما ترى يا غر تاريخ البشر ** قصة أسطورة لهو سمر

في سناه أنت بالنفس بصير ** في هداه أنت بالسير خبير
المصدر:
*مقدمة كتاب فوات الوفيات.
* موسوعة الحيوانات والطيور.
*مقدمة كتاب الأعلام الشرقية.
*ديوان بدوي الجبل .
*ديوان محمد إقبال.
*ديوان جبران خليل جبران.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق