الثورة على بؤس الطين:
قال كامو :
لم يكن الفقرُ نكبةً بالنسبة لي، فقد كان يوازيه دائما غن النور،حتى ثوراتي كانت آنذاك تُضاء بهذا النور
لستُ أجزمُ أن قلب كان من طبعه أن يميل إلى هذا النوع من الحب، غير أن الظروف ساعدتني فوضعتني في منتصف الطريق بين الفقر والشمس
أما الفقر: فمنع عني الحكم بأن كل ما في العالم هو على ما يرام.
وأما الشمس فعلمتني أن التاريخ هو كل شيء.
إن الثورة على بؤس الطين ، ذلك ما يدعى بتوثب الروح للشخصية النامية في مفاصل حياتها الكبرى، فتسيطر الروح على مطالب الجسد وتنظمه وتربيه وتهذبه كيلا يقع في مهاوي شهواته ولا يتردى في مهالك نزواته.
وقد عرفنا عواقب سيطرة الجسد ونزواته وشهواته على ممن حوله، فإذا به يعيث فساداً، وينشر الخراب والدمارَ، ويرمي بنيران التفرق وسهام التمزق في جسد المجتمع فيجعله رملا منثورا وماءا آسنا ومِزقا ممزقا.
ليس عليك إلا أن تنظر للمجتمعات التي أقصت الروح من حضارتها كيف حالها الاجتماعية وكيف مردها المتهاوي.
الأمراض الجنسية كثيرة، وحالات الانتحار بمعدلات عالية جدا وأين في أرقى بلاد الغرب حيث كل شيء مُؤَمَّن للفرد جسديا من راتب وتعويض وراحة ووووو، كالسويد وسويسرا ، إلا أن حاجات الروح خاوية على عروشها ومظلمة في أنحائها وقاحلة في أرجائها، فكان ما كان .
هذه لمحة عما يجري هناك ، ولا أعني أن أخذ حاجات الروح هو الدواء الناجع،لا،لأن الاكتفاء به يجر على المجتمع بلاء الكسل والشعوذة والدجل والتخلف.
إن العلاج هو قيام متطلبات الروح والجسد معا، على النحو الصحيح والوجه الحقيقي والنسبة والتناسب المعتدل، فلا يطغى جانب على آخر، ولا يطيش جانب على حساب الآخر.
وهذا ما دعا له الإسلام من خلال قول الله تعالى:
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
وجاءت تعاليم الشرعية الإسلامية لتهذب الأخلاق وتنظم المجتمع :
فقد اعترف بحاجة الإنسان لإشباع شهوته الجنسية ، فهذبها بالزواج الشرعي ، وحرم الاتصال الجنسي غير الشرعي كالزنا واللواط ..
قال رسول الله : من استطاع منكم الباءة فليتزوج.
وفي المقابل قال الله تعالى : (ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا).
واعترف الإسلام بحاجة الإنسان للمال ليزاول عمله، فأحلَّ البيع القائم على الرضا دون غش وخداع وحرَّم الربا الذي يظلم المشتري وينشر الحقد والبغض ويستنزف المال من غير وجه حق.
(وقالوا إنما البيع مثل الربا ،وأحل الله البيع وحرم الربا).
وغيرها الكثير.
ولو أن العلمانيين ينظرون للإسلام وتعالميه وشريعته نظرة منصف من غير تعصب وحقد، ولو أنهم ينظرون له كما ينظرون للغرب، لوجدوا الخير في الإسلام وشرعيته، ولتبنوه ودافعوا عنه، ولكن ما العمل وقد أصبحوا دمى متحركة بأيدي أعداء العرب والإسلام يهدمون بيوتهم بأيدهم ويسعون لجعل أوطانهم ذيولا متعلقة بالغرب.
قال الشاعر أحمد محرم :
أَعِدِ البناءَ وجددِ الميثاقا *** وخُذِ السبيلَ مُبَادِراً سبَّاقا
جَدَّ النضالُ ومن ورائك فتيةً***تَهبُ النفوسَ وتَبذلُ الأعلاقا
عَقدتْ بآيات الكتابِ عُهودها*** فاعقدْ عليها مِن سَناهُ نطاقا
إنْ كنتَ يوماً بانياً ومُجنِّداً ***فَايْنِ العُقولَ وجنِّدِ الأخلاقا
وقال مصطفى صادق الرافعي:
أرى العلماء إذ يشقون فينا*** نِعما كامناً تحت العذاب
كقطعة سكر في كأس بُنٍ*** تذوب ليغتدي حلو الشراب
ومن اخذ العلوم بغير خُلُقٍ*** فقد وجد الجمال بغير سابي
وما معنى الهضاب وأنت تدري*** بأن العيبَ من تحت الخضاب
إذا الأخلاق بعد العلم ساءت*** فكل الجهل في فصل وباب
ولولا العلم لم تسكن نفوس*** على غَيِّ الحياة إلى الصواب
ولولا الدين كانت كل نفس*** كمثل الوحش تسكن الموثاب
رأيت الدين والأرواح فينا*** كما صحب الغريب أخا اغتراب
فلا روح بلا دين ومَن ذا*** رأى راحاً تصب بلا حباب
ليجحد من يشاء فرب قشر*** يكون من وراءه عجب اللباب
ولله المآب فكيف يعمى*** أخو الأسفار عن طرق المآب
المصدر:
- ميراث الصمت والملكوت.
- ديوان أحمد محرم.
- ديوان مصطفى صادق الرافعي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق