اكتساب التخطيط الجيد في الحياة:
- إن التخطيط الجيد في الحياة يقوم على خبرة الإنسان في الحياة من عمق لهذه الخبرة أو اتساع.
ويعود التخطيط الجيد لذات الإنسان الذي عايش الحياة وخبرها، بمصائبها ومصاعبها، بحلوها ومرها، فعرف ضيقها و واسعها، وخَبِرَ الناس فعرف صالحهم وسيئهم، وعرف أفكارهم وكيف يتعاملون.
- إن المنعزل عن الحياة أو المتقوقع في بيته بعيدا عن الناس، بعيدا عن البشر، أو كان اختلاطه بهم ضعيفا أو قليلا أو هامشيا، فإن مثل هذا لا يكسب خبرة جيدة في الحياة يستطيع بها التخطيط الجيد.
- إن العمود الفقري لاكتساب التخطيط الجيد في الحياة هو الاختلاط بالبشر ومعرفتهم ومعرفة طرق الحياة من أين تؤكل الكتف ومن أين يؤتى الحذق وكيفية التعامل مع الآخرين كل بحسب فكره وعمله وموقعه.
وقد دعانا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ذلك فقال:
(الْمُؤْمِنُ الَّذِي يُخَالِطُ النَّاسَ وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنْ الْمُؤْمِنِ الَّذِي لا يُخَالِطُ النَّاسَ وَلا يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ).
وفي هذا تذكرة لنا بأن نخالط الناس ونعرفهم ونتعلم منهم ونصبر على ما يظهر منهم من سوء أو مضايقات كي نتعرف على الوجهة الصحيحة فنكتسب خبرة للتخطيط الجيد في الحياة.
- والنظر بمنظار عام وشامل لمختلف جوانب الحياة والمعيشة نظرة انصاف دون تحيز وتعصب لجانب دون آخر، ودون الانحطاط لمستوى الشهوات النفسية أو المجاملات الأهوائية، يعطي دفقا كبيرا من رافد الخبرة التي تتكون شيئا فشيئا لتكبر وتزداد يوما بعد آخر لتصبح زادا للإنسان يكسب من خلاله حسن التخطيط وجمال التفكير.
وقد دعانا الله سبحانه وتعالى لذلك لما قال:
(قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ)
وهذه آية في غاية الدقة والروعة، فهي ترشدنا إلى النظر والتمعن والتفكر بما يجري حولنا في السموات من مخلوقات وفي الأرض من خلائق إن في البر أو في البحر أو على الجو،ويعلمنا أن الذين لا يؤمنون ولا يصدقون قد أقفلوا عقولهم وأوصدوا قلوبهم وقيدوا أنفسهم بألا يستفيدوا من غيرهم وما يجري حولهم وما أصاب سواهم ، فكان تخطيطهم للحياة سيئا غير صحيح مجانبا للصواب فوقعوا في الأخطاء التي أودت بهم إلى المهالك والمهاوي.
أما المؤمن والعاقل فإنه يستفيد مما يجري حوله ويكتسب خبرة تعطيه أفضلية لكي يمارس أعماله وفق مخطط يرسمه مما اكتسبه من خبرة ومعرفة.
- والوقوف على تجارب الآخرين والاستفادة من خبراتهم تعطي زادا في العقل والفكر وراحة في النفس والروح وقوة في القرار وعزيمة في التصميم.
ذلك أن الاستفادة من تجارب الآخرين في الحياة يوفر على الإنسان ضياع أوقات وهدر أيام وأموال في لا شيء، ويعطي للإنسان تجربة غيره لكي يسقطها على وقائع أعماله ومناحي أفعاله التي تصادفها عقبات ومصائد، فيضاف لعلمه علمَ غره ولتجاربه تجاربَ غيره، فكأن الإنسان يصبح بالاستفادة من غيره أناسا وعقله يصبح عقولا، وهذا لا يخفى على أحد ما فيه من فائدة ومنفعة.
وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم العملية أعطتنا أمثلة كثيرة للاستفادة من تجارب الآخرين وعلومهم ومعارفهم:
ففي غزوة بدر أخذ برأي الحباب بن المنذر بأن يردم الآبار ويبقي بئرا للمسلمين يشربون منه فكان النصر للمسلمين .
وفي غزوة الأحزاب أو الخندق أخذ الرسول صلى الله عليه وسلم برأي سلمان الفارسي بحفر خندق على حدود المدينة التي ليس لها دفاع طبيعي، وكان النصر للمسلمين.
هنا يعلمنا الرسول صلى الله عليه وسلم أخذ خبرة الآخرين والاستعانة بهم لاكتساب تخطيط جيد في الحياة.
ومتى استفاد الإنسان من تجارب الآخرين في حياته فإنه يضيف لنفسه الكثير من الأفكار والعديد من الأشياء التي يستطيع بها مواجهة الحياة والناس، ومواجهة ما يتعرض له.
- والرغبة في العلم والمعرفة والتطلع للتعلم واكتساب الخبرة وعدم الوقوف موقف الرافض لآراء الآخرين كل ذلك يمد الإنسان بمدد من المعارف والعلوم التي تكسبه الخبرة في التعامل مع الحياة فيخطط جيد لحياته ومعيشته تخطيطا قائما على الفهم الصحيح للحياة بكل معانيها ومتطلباتها.
وهذا يستدعي من الإنسان الخلق بخلق الصبر وعدم الانتكاس والارتكاس في أول فشل ، والعمل بإخلاص وصدق وهدوء ، والتفكير قبل الاقدام على أي عمل تفكيرا سليما بعيدا عن العواطف والمشاعر والمجاملات، حتى يكون الرأي صائبا وصحيحا قدر الإمكان.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق