السبت، 16 نوفمبر 2013

الجنة والنار في القرآن الكريم

الجنة والنار في القرآن الكريم:
كيف لا يكون للمسلم وقت فراغ يقرأ به القرآن قراءة تأمل وتدبر في معانيه، فيستخرج منه روائع الأفكار لبناء الأسرة والمجتمع، ويستنبط منه قواعد الأعمال لرقي النفس والأبناء والأصحاب والأقرباء، ويستلهم منه أعمدة النهضة لينهض به من كسل العقل وخمول النفس وسكون الروح، إلى آفاق العلم والمعرفة، ورحاب الابداع والابتكار والاختراع.
(ما فرَّطنا في الكتاب مِن شيئ).
وجدير بالمؤمن ألا يغفل عن القرآن الكريم، ولا عن السنة النبوية ، فهما السلاح الأمثل الذي به نعلو ونعز ونُكرم، ومنذ أن أعرضت الأمة الإسلامية وحكوماتها عنهما، وولوا وجوههم تجاه العدو حماقة منهم كي يأخذوا منهم الأمن والسلام، فما أخذوا إلا الخداع والنفاق والكذب.
وتطبيقاً لقول الله تعالى(ليدبروا آياته) سنجول في رياض القرآن كي نملأ القلب بحبه وحب الله ورسوله.

 مجيء الجنة والنار في القرآن الكريم:
جاءت الجنة في القرآن جمعا تارة، ومفردة تارة، والنار لم تقع إلا مفردة، لسبيبين:

الأول:
لما كانت الجنات مختلفة الأنواع، وهي اسم لدار الثواب، مشتملة على مراتب كثيرة حسب استحقاق المؤمن لها حَسُنَ جمعها وإفرادها.
ولما كانت النار مادة واحدة أُفرِدَتْ باعتبار الجنس مثل الأرض.

الثاني:
لما كانت النار تعذيباً والجنة رحمةً، ناسبَ جمع الرحمة وإفراد العذاب.
وذلك مثل جمع الريح وإفراد الريح في العذاب.
إضافة إلى أن النار دار حبس وعقاب، فيناسبها أن تكون مكاناً واحداً للمحبوسين المعذبين، ليكون أنكد لعيشهم بخلاف الجنة، فإنها درجات ، ولكل مطيع جنة فناسبها الجمع.

يقول سبحانه : { وَعَدَ الله المؤمنين والمؤمنات جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار }:
فإذا كان الحق سبحانه وتعالى قد وعد المؤمنين والمؤمنات جنات ، فإن المؤمنين جماعة ، والمؤمنات جماعة ، والموعود به جنات جمع ، وتقابل الجمع بالجمع يقتضي القسمة لآحاد ، فيكون المعنى : أن الله وعد كل مؤمن جنة ، ووعد كل مؤمنة جنة.
إذن : فالموعود به جنات لا بد أن تتكرر ، فإذا قسمناها عرفنا نصيب كل مؤمن ومؤمنة ، تماماً مثلما يقول الأستاذ لتلاميذه ، أخرجوا كتبكم .
و « أخرجوا » أمر لجماعة ، وكتبكم جمع ، أي كأن يخرج كل تلميذ كتابه . وقول المعلم « أمسكوا أقلامكم » يعني : أن يمسك كل تلميذ قلمه .
إذن : فقول الحق سبحانه { وَعَدَ الله المؤمنين والمؤمنات جَنَّاتٍ } أي : أن لكل واحد جنة.

وقال الله تعالى: { وَعَدَ الله المؤمنين والمؤمنات جَنَّاتٍ } ولكن الحق سبحانه وتعالى يقول في سورة الرحمن : { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ }.
وهنا لا بد أن ننتبه لمعطيات الألفاظ في سياقها ومقامها.
 فسورة الرحمن لا تتكلم عن الإنس فقط ، وإنما تتكلم عن الإنس والجن . فسبحانه وتعالى يقول : { خَلَقَ الإنسان مِن صَلْصَالٍ كالفخار * وَخَلَقَ الجآن مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ }.
وكذلك قوله جل جلاله : { سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثقلان }.
إذن : فيكون للإنس جنة وللجن جنة؛ لذلك يقول الحق سبحانه وتعالى : { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ }.
من خاف مقام ربه من الإنس له جنة ، ومن خاف مقام ربه من الجن له جنة .

ويمكن أن يكون المعنى أن لكل واحد جنتين؛ لأن الحق سبحانه وتعالى علم أزلاً ما سيصير إليه من أمر عباده من التقوى أو الفجور ، ولكنه تبارك وتعالى لم يخلق للمتقين جنات تكفيهم وحدهم ، أو يخلق للكفار ناراً تكفيهم وحدهم ، بل خلق لكل واحد من خلقه إلى أن تقوم الساعة جنة ، ولكل واحد من خلقه إلى أن تقوم الساعة ناراً ، فإذا دخل أهل الجنة الجنة؛ بقيت الجنات التي خلقت ولم يدخلها أحد؛ لأن أصحابها من أهل النار ، فيقوم الحق بتوزيعه على المؤمنين أصحاب الجنة؛ مصداقاً لقوله تعالى : { وَتِلْكَ الجنة التي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } [ الزخرف : 72 ]
أي : أنها لم تكن مخلوقة لكم ، ولكنكم ورثتموها؛ لأن أصحابها من أهل النار .
والله أعلم.

وَبِهِ جَنّاتُ عَدْنٍ رُفِعَتْ ** عَلَماً أَبْوابُها لِلْمُسْلِمِينَا
ودُعُوا أنْ تلكمُ الدارُ لكم ** فادْخَلواها بسَلامٍ آمِنينا

يقول الشاعر مخاطباً قارئ القرآن وحافظه وطالب علمه:
وخذ التقانة والعلوم فإنها* * *خيل الرهان يحوزهن ثقات
لا يبلغ العز المتين مقصّر* * *أبداً ولا يُهدى السبيل غفاة
كانت لنا في الأولين حضارة* * *عظمى وكان مثقف وقناة
ولسان صدق لا يزل بيانه* * * ورجال عزم إن بدت عزمات
واليوم يا جيل الكتاب .. تحوطنا* * *زمر، ويفتك بالبلاد غزاة
مذ أشربوا حب العلوم وأشربت* * *أجيالنا ما تلفظ القنوات
الوقت عندهم رسالة أمة* * *فطنت له، فاستُثمِرت أوقات
وترى الليالي والشهور تمر في* * *لذاتنا، لا تنقضي اللذات
والعمر لو تدرون ليس دقائقاً* * *تقضى بهن رغائب خضرات
لكنه الإنجاز يتقن فنه* * *من ليس تربك خطوه النزوات
والمجد أن تهوي لربك ساجداً* * *متذللاً .. تزكو بك العرصات
وتقيم بالإتقان صرح تجارة* * *وصناعة تزهو بك الآلات
وتعيش في هذي الحياة مراغماً* * *لا تابعاً ، تلقى إليك هبات
وتذيق من عادوك مر عداوة* * *لا يستريح متى غفوت عداة
وتبث من والوك حلو ولاية* * *فيها من الخلق الرفيع صفات
هذا هو الدين القويم وهذه* * *غاياته، لو تَفْهَم الغايات
هذا هو التمكين لو نَسعى له* * *لتُضِيء هذا الكوكب المشكاة
هذا هو الإصلاح .. ليس مقالةً * * * أو خُطبةً بسِطتْ لها الحفلات
لكنه التغييرُ يَحْدِثُ فعله* * *فينا، ويُسرِعُ بالمسير حداة
هو أن نغَيِّر فكرنا .. وسلوكنا* * *ونقول قولاً ليس فيه هنات
هو أن نُجَاهِدَ بالبناء ولا نرى* * *هدراً ولا تُسْتَنْزَف الثروات
هو أن نرى مجداً نُقِيمُ كيانَه* * *عدلاً ويَنهَضُ بالبناء بُناة
ويقوم فينا منهجٌ نسمو به* * *ويقوم فينا للفلاح هداة
هذي هي الآياتُ فافقه كنهَهَا* * * وبِحُسْنِ فقهِك تنجلي الآيات.

المصادر:
-البرهان في علوم القرآن للزركشي 4/14.
-الكشاف للزمخشري: 1/257.

-تفسير الشعراوي .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق