الخميس، 24 أكتوبر 2013

الاختلاف والتمايز عن العالم

الاختلاف والتمايز عن العالم:
قال مكسيم غوركي: جئتُ إلى هذا العالم لأختلف معه.
ولعل قائلا يقول: وأنا جئتُ إلى هذا العالم لأختلف مع مكسيم غوركي هذا، ومع غيره.
بصراحة: الذي أكرهه في هذه الحياة أكثر مما أحبُّه ، لكنّ كُرهَ أشساء الحياة تختلف درجاته بتفاوت أثره السيء على نفسي...
فأنا أكره فعل العالم أو الشيخ الذي يقف بجانب الحاكم أو الرئيس أو الملك الظالم، أكره هذا العالم الذي يبيع دينه وآخرته من أجل حفنة مال أو كلمة ثناء أو رقي وظيفة أو زيادة جاه.
لأن هذا الشيخ يكون متواطئا مع الظالم في ظلم الآخرين، فينتقص من دينه بزيادة قربه من هذا الرئيس أو الملك أو الأمير الظالم.
وربما يستعظم هذا القول أحد ما أو يرفضه، لا بأس، لكن لينظر أحدنا إلى الذين يسمون علماء أو مشايخ ، ألا ترى الأكثر والأغلب يقفون مع القوي الظالم المستبد الفاسق ضد الضعيف المظلوم المؤمن.
ألم نسمع فتاوى تنهال على من يسعون لإصلاح بلادهم من الظلم والجور والاستبداد تقضي بجواز ولزوم قتلهم وحبسهم وردعهم؟
ألا نسمع كل يوم عن مواطن يدخل السجن بسبب مواقفه الشجاعة بقول الحق ضد الظالمين من رؤساء وأمراء وملوك ومسؤولين؟
كان من المفترض على العلماء والباحثين ورؤوس المثقفين والأدباء أن يقولوا الحق ويقفوا معه ضد الظلم والظالمين، وأن يجهروا بقول الحق كلما أخطأ مسؤول ويسعون لأن ينال جزاؤه العادل، حتى يرتدع هو وغيره وأمثاله عن الظلم وسرقة الآخرين والإضرار بهم.
إلا أننا نرى الواقع غير ذلك، فالذي ينصر الحق من هؤلاء العلماء والباحثين ورؤوس المثقفين والأدباء قلة قليلة تعد على الأصابع في وسط زبد منهم.
هؤلاء ليسوا بعلماء ولا شيوخ ولا مثقفين ولا كتاب ولا بحثة، إنهم : العماء المرتزقة.
نعم، علماء مرتوقة،شيوخ مرتزقة، كتاب وباحثين ومثقفين مرتزقة، لأنهم لم يحترموا علمهم ولا معرفتهم ولا ما حَمَّلّهم الله من أمانة العلم والمعرفة ليقولوا الحق ويقفوا ضد الظالم أياً كان.
(إنما يخشى الله من عباده العلماء) وهؤلاء لم يخشوا الله فخافوا من عبد الله من رئيس أو ملك أو أمير أو مسؤول ظالم،فارتعدت فرائصهم واقشعرت جلودهم فانزوا بعلمهم و عماماتهم ولباسهم الأنيق كالفئران إلى الجحور.
وماذا عليهم لو أنهم قالوا الحق بوجه الظالم، ووقفوا بشجاعة أمام تعدي الرئيس والمسؤول على الآخرين، فلو فعلوا ذلك لوجدوا العون من الله وازدادت محبتهم ومنزلتهم عند سكان السموات من الملائكة والناس في الأرض.
إنهم فقط يقولون ويثرثرون ويلوكون ألسنتهم ويخطبون ويحاضرون ويدرسون، فقط بالكلام، لكن وقت الفعال تحسبهم أموات لا حس ولا حركة، كأنهم متحجرات.
  ما زلنا من القرن الماضي لم نتقدم خطوة للأمام ولم نسر ولو ذراعا للأمام،ما زلنا وراء الأمم نرى مؤخراتهم وهم يتقدمون، ونستنشق غبار سيرهم الذي تركوه ورائهم، ونأكل من فتات ما يتكرمون عليه لنا من العلوم والمعارف، التي لا تضرهم.
ما كان ذلك ليحصل لولا طرفين من الناس:
الطرف الأول: الرؤساء والملوك الظالمين المستبدين، قاتلي شعوبهم، وخافضي الرأس أمام الأعداء من غرب صليبي أو شرق شيوعي أو كليهما.
وهؤلاء الرؤوساء وجهان لعملة واحدة، منهم من يعادي الدين ويكره الإسلام ويحاربه.
 ومنهم من يدعي أنه على مسار القرون الأول يسير ويخطو، لكنه مع ذلك يسمح بالبنوك الربوية في بلادهم ، ويستعين بالكفار على قتال إخوانه المسلمين، ويمُّدُّ العلمانيين والغرب بالمال والدعم الاعلامي والسياسي، فهذا أسوأ من الأول بأضعاف المرات.
الطرف الثاني: هم العلماء والمفكرون والمثقفون والأدباء الذين خنعوا للرئيس الظالم وللملك المستبد وللأمير الجاهل الفاسق، فأحلوا له الحرام، ووافقوه عليه، وشرعوا له من الدين على حسب هواه ونزواته وأهوائه.
إن هذان الطرفان هما المسؤولان الأولان على ما نحن عليه من تخلف وتراجع وتكالب الأمم علينا،اتفقوا على هذا ومضوا عليه وأجمعوا إجماعا عمليا على المُضِيّ فيه، فكانت هذه الحالة التي وصلنا إليها.
كيف للأمة أن تسود وتعلو وفيها قادة علم وسياسة خاضعين جبناء.
كيف للأمة الإسلامية أن تتقدم وتتطور وفيها حملة العلم والفكر والسياسة ضيقة عقولهم وفكرهم محدود وينظرون من زاوية واحدة ولا يتقبلون الرأي الآخر .
إن الحل هو الخروج من هذه الأخطاء ونقد أنفسنا والتعرف على مواطن الخلل والخطأ لكي نصلحها.
  قال الشاعر:
لْهَفِيْ عَلَيْهِ تَنَكَّرَتْ أَعْلاَمُهُ**إلا عَلَى الخِرِّيْتِ في ذَي الشَّانِ
لْهَفِيْ عَلَيْهِ أَصْبَحت أَنْوَارُهُ**مَحْجُوْبَةً عَن سَالِكٍ حَيْرَانِ
لْهَفِيْ عَلَيْهِ أَصْبَحَتْ أَنْصَارُهُ**في قِلَّةٍ في هَذِهِ الأَزْمَانِ
لْهَفِيْ عَلَيْهِ أَهْلُهُ في غُرْبَةٍ**أَضْحَوْا وَهُمْ في الأَهْلِ وَالأَوْطَانِ
لْهَفِيْ عَلَيْهِمْ أَصْبَحُوا في ضَيْعَةٍ**أَنْوَارُهُمْ تَخْفَى عَلَى العُمْيَانِ
لْهَفِيْ عَلَيْهِمْ كَمْ لَنَا قَدْ أَخْلَصُوْا**في النُّصْحِ لَوْ كَانَتْ لَنَا أُذُنَانِ
لْهَفِيْ عَلَى مَنْ يَجْلِبُونَ عَلَيْهِمُ**بالنُّصْحِ كُلَّ أَذى وَكْلَّ هَواَنِ
لْهَفِيْ عَلَى مَنْ هُمْ مَصَابَيْحُ الهُدى**مَا بَيْنَنَا لَوْ تُبْصِر العَيْنَانِ
لْهَفِيْ عَلَيْهِم أُوْجِدُوْا في أمَّةٍ**قَنعَتْ مِن الإٍسْلاَمِ بالعُنْوَانِ
لاَ يُعْرَفُ المَعْرُوْفُ فَيْمَا بَيْنَنَا**والنَّكْرُ مَأْلُوفٌ بِلاَ نُكْرَانِ
خَذَلَتْ ذَوِيْ النُّصْحِ الصَّحِيْحِِ وَأَصْبَحَتْ**عَوْنًا لِكُلِّ مُضَلَّلٍ فَتَّانِ
يَا وَيْحَ قَوْمٍ لاَ يُمَيِّزُ جُلُّهُمْ**ذَا الْحَقِّ مِن ذِيْ دَعْوَةِ البُطْلاَنِ
فَتَصَدَّرَ الجُهَّالُ والضُّلاَّلُ فِيْـ**ـهِمْ بادِِّعَاءِ العِلْمِ والْعِرْفَانِ
مِنْ كُلِّ مَنْ يَخْتَالُ في فَضاضِهِ**فَدْم ثَقِيْلٌ وَاسِعُ الأرْدَانِ
مُتَقَمِّشٌ مِن هَذِهِ الأَوْضَاعِ والْـ**آرَاءِ إِمَّعَةٌ بِلاَ فُرْقَانِ
يُبْدِيْ التَّمَشْدُقَ في المَحَافِلِ كَيْ يُرَى**لِلنَّاسِ ذَا عِلْمٍ وذَا إِتقان
تَبًّا لَهُ مِن جَاهِلٍ مُتَعَالِمٍ**مُتسَلِّطٍ بِوِلاَيَةِ السُّلْطَانِ
رَفَعَتْ خَسِيْسَتَهُ المَنَاصِبُ فازْدَرَى**أَهْلَ الهُدَى والعِلْمِ والإِيْمَانِ
لَيْسَ التَّرَفُعُ بالمَنَاصِبِ رِفْعَةً**بالعِلْمِ والتَّقْوَى عُلُّوُ الشَّانِ
تَرَكَ المَنَابِرَ مَنْ يَقُوْمُ بِحَقِّهَا**مِنْ كُلِّ ذِيْ لَسْنٍ وَذِيْ عِرْفانِ
وَنَزَا عَلَيْهَا سَفْلَةٌ يَا لَيْتَهُمُ**قَدْ أُدْرِجُوْا مِنْ قَبْلُ في الأكْفَانِ
تَبْكِيْ المَنَابِرُ مِنْهُمُ وَتَوَدُّ لَوْ** تَنْدَكُّ تَحْتهُمُو إلى الأَرْكَانِ
وَكَذا رُءُوسُهُمُ الطَّغَاةُ فَإنَّهُمْ ** لَمْ يَرْفَعُوْا رَأْسًا بِذَا الفُرْقَانِ
مَا حَكَّمُوْا فِيْهِمْ شَرَائِعَ دِيْنهِمْ ** وَالعَدْلُ فِيْهَا قَائِمُ الأَرْكَانِ
وَيْحَ الشَّرِيْعَةِ مِنْ مَشَايِخِ جُبَّةٍ** واللَّابِسِيْنَ لَنَا مُسُوْكَ الضَّانِ
غَزَوُا الوَرَى بالزِّيْ والسَّمْتِ الذِي** يُخْفِيْ مَخَازِيْ الجَهْلِ والعِصْيَانِ
وَرْءُوسُ سُوْءٍ لاَ اهْتِمَامَ بِهمْ بِدِيْـ** ـنٍ قَامَ أوْ قَدْ خَرَّ لِلأَذْقَانِ
وَلَربَّمَا أَبْدَوْا عِنَايَتَهُمْ بِهِ** بسِيَاسَةٍ تَخْفَى على الإِنْسَانِ
يا مَعْشَرَ العُلَمَآءِ هُبُّوْا هَبَّةً** قَدْ طَالَ نَوْمُكُمو إلَى ذَا الآنِ
يَا مَعْشَرَ العُلَمَآءِ قُوْمُوْا قَوْمَةً** للهِ تَعْلِيْ كِلْمَةَ الإِيْمَانِ
يَا مَعْشَرَ العُلَمَآءِ عَزْمَةَ صَادِقٍ** مُتَجَرِّدٍ للهِ غَيْرَ جَبَانِ
يَا مَعْشَرَ العُلَمَآءِ أَنْتُمْ مُلْتَجَا** لِلدِّينِ عِنْدَ تَفَاقُمِ الحَدَثَان
يَا مَعْشَرَ العُلَمَآءِ كُوْنُوا قُدْوَةً** لِلنَّاس في الإسلامِ والإِحسان
يَا مَعْشَرَ العُلَمَآءِ أَنْتُمْ حُجَّةٌ** لِلنَّاسِ فادْعُوْهُمْ إلى القُرْآنِ
يَا مَعْشَرَ العُلَمَآءِ إنَّ سُكُوْتَكُمْ** مِنْ حُجَّةِ الجُهَّالِ كُلَّ زَمَانِ
يَا مَعْشَرَ العُلَمَآءِ لا تَتَخَاذَلُوْا** وَتَعَاوَنُوا في الحَقِّ لا العُدْوَانِ
وَتَجَرَّدُوْا للهِ مِنْ أَهْوَائِكُمْ** وَدَعُوْا التَّنَافُسَ في الحُطَامِ الفَانِي
وَتَعَاقَدُوْا وَتَعَاهَدُوْا أَنْ تَنْصُرُوْا** مُتَعَاضِدِيْنَ شَرِيْعَةَ الرَّحْمنِ
كُوْنُوا بِحَيْثُ يَكُونُ نُصْبَ عُيُوْنِكُمْ** نَصْرُ الكتابِ وَسُنَّةُ الإِيْمَانِ
فاللهُ يَنْصُرُ مَنْ يَقُوْمُ بِنَصْرِهِ** واللهُ يَخْذُلُ نَاصِرَ الشيطان

وقوع الحافر على الحافر في المعاني

وقوع الحافر على الحافر في المعاني:
قال أمين نخلة:
وقوع الحافر على الحافر في المعاني يحصل بين لغة وأخرى حصولَه في اللغة الواحدة، ولقد جاء للسيدة(دي سيفينيه)في بعض رسائلها إلى ابنتها وكانت مَصْدورة قولها وهو من أشهر الرقائق التي تدور في كتب الفرنساوي: يا ابنتي إن صدرك يوجعني!
وجاء في كتاب القضاة هذا الكلام لسهل بن علي،قال:
كنتُ أُلازم ابن نعيم القاضي وأُجالسه وأنا يومئذٍ حديثُ السِّنِّ، وكنت أراه يتَّجر بالزيت، فقلت له: وأنت أيضاُ تَتَّجر؟ فضرب بيده على كتفي ثم قال: انتظر حتى تجوع ببطن غيرك! فقلت في نفسي: كيف يجوع إنسانٌ ببطن غيره؟فلمَّا ابتليتُ بالعيال إذا أنا أجوع ببطونهم.
إن الاهتمام بالأولاد من تُجاه الآباء يعطي شعورا بانطباعات تغيرية لدى الآباء لم يكونوا قد ألفوها واعتادوا عليها، ويجدونها غريبة عنهم ومنفرة لكنهم يقبلون بها على أي حال في نهاية الأمر.
وهذه الانطباعات الجديدة التي تبدأ بالدخول عليهم هي التَبَّخُل والتَجَبّن( من البُخْلِ والجُبْنِ) تكون جراء خوفهم على أبنائهم واهتمامهم بهم وحرصهم على العناية بهم ودوام التفكير بهم وتقديهم على غيرهم في شتى الأمور .
فترى الوالد وهو الذي كان شجاعا أبيا لا يخاف ولا يقبل الإهانة، تراه بعد أن يكون له أبناء تغير حاله وتبدل وضعه، فإذ به يقبل  الإهانة إن كان في عمل، وتراه يتخوف من الوقوع في المشاكل لشغل فكره بما سيحصل لأولاده إن أصابه مكروه، وتراه يحرص كثيرا على عدم إضاعة المال فيما لا ينفع ولا يعود بالفائدة على أسرته، فيقلل من زيارته للآخرين حتى يقللوا من زيارته، وإن جاءه زائر قلل من إكرامه بسبب تفكيره بأن أولاده أولى وأجدر وأهم منه.
وهذا الفعل ليس مُعيباً لأن اهتمام الوالدين بأبنائهما يحق لهما أن يتصرفا مثل هذا التصرف،بسبب إعانتهما لأولادهما وإعالتهما لهم.
ومن هنا ينشأ (أجوع ببطون أبنائي، وأتوجع من صدورهم).
وقد نبهنا رسول الله لهذه الخاصية في فطرة الإنسان إذ قال:
(الولد مجبنة مبخلة) وهو تلخيص لما سبق الحديث عنه.
وأجِدُ أن الإنسان عليه أَن يَعْذَر الوالد أو الوالدة إِن ظهر له تصرف مثل هذا التصرف، لأن حب البنين والأولاد تفعل بالقلب فعل الماء بجناح الطائر وفعل سريان القشعريرة بجسم الإنسان، كما أن هذا الحب يجعل من الوالدَين فدائيين يفديان الأبناء ويُقدمانهم على نفسيهما وعلى الآخرين.
وليعلم بعد ذلك الأبناء هذه التضحية لأجلهم ، وليُقّدِّروا ذلك،فإنه وإِن لم يظهر لهم فهو موجود يحصل في كل وقت .

فأقل شيء يفعله الأبناء أن يبرَّوا بآبائهم.

يبيع الكلام ويهرب من ساح النضال

يبيع الكلام ويهرب من  ساح النضال :
ملأ الشاعر محمود درويش الأرضَ صُراخا وعويلا عن الوطن والعروبة وأوراق الزيتون، ثم فرَّ فراراً مخزيا من فلسطين وخلَّف هذا كله وراءه.
لم يقو صاحب اليهودية(ريتا) التي كان (الإله) يسكن عينيها العسليتين على ما كان يقوى عليه جيفارا والرفاق في أحراش بوليفيا من مقاومة حاكمها المستبد والظالم.
ولم يكن لدى محمود درويش القائل: (فخذوا وقتكم لكي تقتلوا الله) وقتٌ لكي يقتل رُذال الناس ممن اغتصبوا أرضَه وأذالوا عِرضه وقتلوا أهله ونهبوا داره.
وهكذا طبيعة الملحدين والعلمانين الذين يبيعون أرضهم مقابل نزوات شخصية ويهربون من ملاقاة عدوهم مقابل أهواء مَرَضية.
وما بلاء البلاد العربية إلا مِن هؤلاء الذين أصبحوا دمى متحركة بيد الغرب الصليبي والشرق الشيوعي ظنا منهم أنهم بخضوعهم لهم وبخنوعهم أمامهم وبتقليدهم وبتبني أفكارهم في محاربة الله ومحاربة الإسلام ومحاربة الشريعة أنهم بذلك ينتصرون وتكونوا لهم العزة.
فإذا بهم عند أول مواجهة يهربون ويخسرون بكل عار وشنار.
وحفاظا على ماء الوجه ،يصدر الحزب الشيوعي الإسرائيلي الذي كان ينتمي له محمود درويش بيانا بفصل هذا الثائر الناعم الهارب من ساح النضال.
ينظر هذا البيان في  كتاب: محمود درويش شاعر الأرض المحتلة للمؤلف رجاء النقاش.
   إن من يبيع الناس كلاما فارغا أو ثمينا ، ثم لا يعمل بما يقول، لهو إنسان عابث وجبان ومستغل ، وهو في الدونية في المجتمع بالدرك الأسفل، وإن شهره الإعلام والصحف والتلفاز.
خاصة من كان في بلده مواجهة مصير بين غاصب  ومدافع، فيهرب المدافع وقت الحاجة ، لهو عار أي عار.
قال أبو الأسود الدؤلي:
يا أيها الرجل المعلم غيره ... هلا لنفسك كان ذا التعليم

تصف الدواء من السقام لذي الضنى ... ومن الضنى ما زلت أنت سقيم

ونراك تصلح بالرشاد عقولنا ... أبدا وأنت من الرشاد عديم

فابدأ بنفسك فانهها عن غيها ... فإذا انتهت عنه فأنت حكيم

فهناك يقبل ما تقول ويهتدى ... بالقول منك وينفع التعليم

لا تنه عن خلق وتأتيَ مثله ... عار عليك إذا فعلت عظيم




المصادر:

*ديوان أبي الأسود الدؤلي.

* كتاب ميراث الصمت والملكوت.

الثلاثاء، 22 أكتوبر 2013

حقيقة المتدين

حقيقة المتدين:
(أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم أفلا تعقلون)

المتديِّن إنما يتديَّن على طبيعته وخُلُقه، يتديَّن على مزاجه النفسيّ وإرثه من التجارب السيئة، ثم هو لا ينفكُّ عن تأثير النشأة ووطأةِ الإلْف والعادة، وغلبة روح العصر.

فإذا رأيتَ متديّناً يأتي ليس من الدِّين الحقِّ فحذار أن تحمِّل الدين جريرة هذه النفوس، لأن المتديِّن إنما يتدِّين على طبيعته وخُلُقِهِ ومزاجِهِ النفسيِّ...
(وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ)

والناظر في معترك الحياة يجد أخطاءاً كثيرة تصدر من المتدينين تترك آثارا سلبية مِن حولهم، من غش وخداع وكذب ونفاق، وكلام فاحش ورياء وغرور، وعير ذلك، فلا تُلقِي اللومَ على الدين وعلى الشريعة، لأن الدين لم يأمر بذا ولا ذاك ولا ذلك، ومن يُلقي اللوم على الدين بسبب أفعال وأعمال المتدينين الخاطئة فهو أحمق ومغفل وجاهل أو متجاهل، لأن قراءة سريعة في تعاليم الدين تُظهِرُ أن المتدين هو الخاطئ ، وأن الدين هو تعاليم وأنظمة وتشريع سوي جاء لمصلحة العباد في الدنيا والآخرة، ومَن يُخطئ في تَعَلُّمِه أو تعليمه أو تطبيقه أو تفسيره هو المذنب ولا علاقة للدين بذلك.

وفي أمثال هؤلاء يقول الله تبارك وتعالى:
(وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ)
(وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ)
مما سبق يتضح لنا أن هناك كثيرا من الناس وقعوا في لوم الدين وتركوا لوم القائمين عليه أو المنتسبين إليه. 

قال الإمام علي بن أبي طالب :
لا خير في ود امرئٍ متملقٍ**حلو اللسانِ وقلبهُ يتلهبُ
يلقاك يحلف أنهُ بكَ واثقٌ**واذا توارى منك فهو العقربُ
يعطيك من طرف اللسان حلاوةٍ**ويروغ منك كما يروغ الثعلبُ

فكم بين المتدينين من فيه أخلاق كهذه الأخلاق التي تُظهر بشاعة سلوكه وشناعة أعماله وصفاقة أفعاله.

نسأل الله أن يعيذنا أن نكون منهم ...

الأحد، 20 أكتوبر 2013

ليغيظ الذين كفروا

ليغيظ الذين كفروا:
كلام جميل أعجبني لأحدهم ، يدل على توقد الذهن وذكاء الفكر وروعة الاستنتاج.
 يقول أحدهم:
انقدح في  ذهني :
أن الوليد بن المغيرة لما عجز عن أن يأتي بمثل القرآن، ثم قال مكابرا: (إنْ هذا إلا قولُ البشر)

جعل الله سبحانه من قوله هذا قرآناً يُتلى؛ ليكون أشدَّ في النِّكاية به، وأبلغَ في إظهار ضعفه وعجزه..
كأنه قال له:

سنجعل مِن نَفْيَك أن يكون القرآن كلام الله، مِنْ كلام الله ...!!!

معرفة طبيعة السؤال بوضوح

معرفة طبيعة السؤال بوضوح:
من الأمور المهمة للمفتي وللمعلم  ولمن يُسأل عن شيء ما كَبُرَ أم صَغُرَ، عَظُمَ أم حَقُرَ، أن يستوضح السؤال ويطلب التفاصيل حتى تكون الإجابة واضحة  قليلة الخطأ أو عديمة الخطأ.
وهذا مطلب مهم ، لكن الأكثر عندما يُسأَل فإنه يُجيب بسرعة دون تَرَّوي وتمهل، ظنا منه أن الجواب على كل سؤال يُطرَح يرفع من قيمته ويعلو من شأنه.
فهو وإن كان الأمر ذلك، فإنه لا يلبث إلا أن يَنْخَفِض من حيث أراد أن يَرْتَفِع، ويُجَر من حيث أراد أن يَنْتَصِب، لأن العجلة بالاستفتاء وإجابة السؤال لها مضار على النفس والفرد والمجتمع.
وقد كان الإمام جعفر الصادق لما يُسأَل يستفسر سائله عن سؤاله ويستوضحه، متى وأين وفي أي وقت وماذا كانت حالتك.
يقول برتراند راسل : يذكرني هؤلاء الفلاسفة بصاحب الدكان الذي سألته مرة عن أقصر الطرق إلى مدينة (ونشستر) يوم تهت وأنا ذاهب إليها على متن دراجة، فنادى صاحب الدكان على رجل بالركن الخلفي قائلا: أحد السادة يريد معرفة أقصر الطرق لونشستر.
أجاب صوت شخص من هنالك : ونشستر؟ فأجابه : نعم.
وتابع مستفهما: الطريق لونشستر؟ فأجابه: نعم؟
وتابع: أقصر الطرق؟ فأجابه : نعم؟
فقال ذلك الشخص: لا أعرف .
لقد أراد معرفة طبيعة السؤال بوضوح، ولكنه لم يهتم بالإجابة عليه، هذا بالضبط ما تفعله الفلسفة الحديثة للباحث الجاد عن الحقيقة، فهل يكون غريبا أن يتحول الشباب إلى دراسات أخرى.
وعلى ذلك فإن الإستفهام والاستيضاح ومراعاة تفاصيل السائل وفهمها يؤدي لإجابة صحيحة وعلى أحسن الأحوال إجابة قليلة الخطأ، بعكس الذي يجيب بسرعة فإنه لا يخلو من الأخطاء.


المصدر: الفلسفة وقضايا الحياة، سلسلة حوارات مع برتراند راسل، ترجمة علي مصباح ص 19. 

الشعور بالنقص الحضاري

الشعور بالنقص الحضاري:
جاء في مقالة لأحد الأساتذة نشرت في صفحة التراث من العدد 12198 من جريدة الرياض بعنوان (الآمدي الحنبلي سبق برايل في اختراع الكتابة للعميان) جاء في تلك المقالة:
كلما اشترى كتابا أخذ ورقة وفتلها فصنعها حرفا أو أكثر من حروف الهجاء لعدد ثمن الكتاب بحساب الحُمَّل، ثم يلصقها على طرف جلد الكتاب ويجعل فوقها ورقة تثبتها فإذا غاب عنه ثمنه حسَّ الحروف الورقية فعرفه.
إنه اختراع لم يُسبق إليه الآمدي بهذه الطريقة الفذَّة في كيفيىة سعر الكتاب، وهذا مما يدلنا على انه يُعد من المخترعين في فن الكتابة للعميان..
وأول من أشار ونبه إلى هذا العلم الآمدي هو شيخ العروبة أحمد زكي باشا حيث قال رحمه الله:
إن زين الدين الآمدي سبق برايل إلى اختراع طريقته في الكتابة بنحو 600 سنة لأن برايل الفرنسي اخترع طريقته في نحو سنة 1850م. انتهى بتصرف.
هناك ثلاثة كانوا من الأوائل الذين اعتنوا بمثل هذه الأمور وهم: العلامة أحمد زكي باشا، والأمير شكيب أرسلان،وميخائيل عواد..
إن مثل إيراد مثل هذه الأمور عند البعض ما هي إلا تعبير عن نقص حضاري يُطل من نوافذ الكتابات ، نقص أملاه عليه صاحبه تاريخ مشرق لأمة عظيمة ، كانت في يوم من الأيام ملء التاريخ ثم أضحت على هامشه...
لقد دفع ذلك بالبعض إلى أن يغمط المكتشفين والمخترعين من الغربيين حقهم، فكان ما إن يعثر أحدهم على خبر مهمل في حاشية كتاب وردت لفظة موهمة تشاكل شيئا من مخترعات اليوم، حتى يُسرع بتقرير ما كان للعرب من سبق في هذا،ويملأ صفحات الأهرام أو غيرها بالعنوانات المجلجلة..
والأمر أيسر من هذا كله، أيكون الآمدي الذي فتل من ورة حروفا ووضعها على كتاب ليتحسسها إذا غاب عنه ثمنه، سبق برايل في اختراع هذه الكتابة؟
طبعا، لا، لأنه تصرف فردي جاء على وفق ما يريد الآمدي، فهو لم يؤصل لكتابة العميان ولم يؤلف كتابا في ذاك ولم يكتب الطرق ولا الأساليب ولا المبادئ والقواعد لكتابة العميان، حتى يقال أنه سبق برايل في اختراع هذه الكتابة.  
كان مصطفى جواد يقول: إن التاريخ خير مُرّبٍّ للأمم الضعيفة.
وهذا حقٌّ، إذا كانت تلك الأمم ذاتَ تاريخ، فكيف وليس تاريخٌ كتاريخنا بالأمس، وليست أمة هي في الضعف إلى ما نحن عليه اليوم؟!!
لستُ  أعيب قراءة تاريخنا الحضاري وتمثُّلِه واستخراج خبِيءٍ مِن شأنِه أن يبعثَ فينا  ما يحملنا على النهوض ومسايرة الأمم المتحضرة.
لقد ذكر ابن النفيس الدورة الدموية قبل أن تعرفها أوربا،
 ولابن خلدون حديث مؤصل عن العقد الاجتماعي قبل حديث روسو في عقده الذي يعد إنجيل الثورة الفرنسية كما يقال..
لستُ أعيب ذكر أمثال هذه الأمور المدعومة بالحجة والبرهان مما لا يماري فيه منصف.
ولكني أعيب على الباحثين هذا الشعور الحاد بالنقص الحضاري الذي ألجأهم إلى أن يبخسوا الناس أشيائهم، فجاء منهم ما أضحك العقلاء منا.
كمثل إحدى الباحثات كتبت بحثا ذهبت فيه إلى أن العرب قد اخترعوا الكمبيوتر قبل الغرب؟ وكان دليلها على ذلك مربعات تشبه الطلاسم وجدَتْهَا في مخطوطة لا تدري شيئا عن اسمه واسم مؤلفها..؟!!
إن الرجوع لتاريخنا والاستفادة منه والإفادة، هو أمر صحيح يعود بالنفع للفرد وللمجتمع ككل، وهو أمر جدير بالعالم والمثقف والقارئ أن يفعله، لاستنباط العبر واتخاذ الفكرة المناسبة في معترك الحياة.
أمّا أن يتحول تاريخنا وحضارتنا لشعور بنقص إزاء ما يجري في البلاد المتقدمة علينا، فيصبح تاريخنا عائق من عوائق النهوض بسبب سوء قراءته وسوء فهمه، فهذا أمر مرفوض.
الأجدر بالعلماء والمثقفين والباحثين أن يجعلوا من تاريخنا وحضارتنا قاعدة صلبة للانطلاق إلى الحياة والخروج من قفص التبعية للغرب والانعتاق من ربقة الاستغلال، وإنشاء حضارة مكملة فيها الاختراع والابادع والابتكار لخير الفرد والمجتمع والوطن.
هذا هو الطريق الأنسب والطريق الأقوم الذي سلكه أوائلنا عندما انفتحوا لعلوم اليونان والرومان والهند والصين والفرس، فترجموا العلوم وتعلموها وعلموها ثم نقدوا مَن أخطأ، ثم ابتكروا واخترعوا وأبدعوا سواء من النواحي النظرية أو العملية، فكانت حضارة تزهى بعلماءها وتزدهر باختراعاتها.
أمّا نحن فلا زلنا مستهلكين لما ينتجه الغرب والشرق وما زلنا في آخر هامش هامش التاريخ، تأخرنا جدا وتخلفنا جدا عن ركب الحضارة.
لا تغرنك العمارات وناطحات السحاب في بلد ما، فهذا لا يُعبأ به، إنما المطلوب هم العلماء واختراعاتهم والباحثين واكتشافاتهم والمثقفين وإبداعاتهم والمجتمع وتحضره ومحافظته على أصوله وعقائده مع استفادته من الآخرين.
أما أن نقول سبقنا إلى كذا والعالم الفلاني سبق فلان إلى كذا... ونحن كسالى عن الاختراع جامدين عن الابتكار خامدين عن الابداع فهذا شيء مهين وأمر معيب.
ليس الفتى من يقول كان أبي***إن الفتى من يقول ها انا ذا
ويقول المتنبي:

لا بِقَومي شَرِفتُ بَلْ شَرِفوا بي ** وَ بِنَفسي فَخِرتُ لا بِجُدودِي

الخميس، 17 أكتوبر 2013

كلام وأيّ كلام

كلام وأيّ كلام:
إن جمال الكلمة تُعطي انطباعا للنفس مُحببا، فتسُر القلب وتُفرح الروح وتُبهِج الفؤاد، وتُنير العقل وتزيد في الفكر وتُضيف الجديد للإنسان.

ومن هذه الكلمات :

* لم أقرأ فيما قرأت أعقل من هذه الكلمة لمحمد كرد علي:
حفظ مسائل العلم التي قالها أهل العقول؛ لا تجعل ممن استظهرها عاقلا إن لم بكن ذا عقل.

* لم أقرأ فيما قرأت أنفذ من هذه الكلمة لغوستاف لوبون:
آراؤنا في الغالب مقدمات لأفكار تتكون ولما تستقر بعد.

* لم أقرأ فيما قرأت أشدّ إيلاما من هذا البيت لمحمود أبو الوفا:

أودّ  أضحكُ للدنيا فيمنعني**** أن عاقبتْني على بعض ابتساماتي

يتأدب على اللؤم

يتأدب على اللؤم:
في الحياة هناك صاحب يحسد صاحبه على ما فيه من علم وأدب وخلق وموهبة، وكذلك القريب بالنسبة لقريب يملك هذه الخصال.
وقد رأيت رجالا كبارا يحسدون شبابا على علمهم وأدبهم وموهبتهم، سواء كانت عملية أو علمية، منَّ الله بها عليه، فيزداد هذا علو وارتفاعا، ويزداد ذاك سفولا وانخفاضا.
ومن هؤلاء مَن يُعطى موهبة الشعر والكتابة الحسنة العذبة، فيأتي صاحبه أو قريبه أو غيره ليحط من قدره ويحطم من عزمه ويشوه من فعله، فتراه أبدا ينظر لمواطن العيب والزلل، ومآخذ الخطأ ليس بدافع النصيحة وإن أظهر ذلك بل بدافع من نار الحقد المستعرة في النفس ودخان الحسد الذي غَشّى عينه عن رؤية النور والصواب.  
وفي هذا قال أحدهم:
يوم كنتُ أتأدب قلتُ على معانيهم:
البيدر احترق
وقلبي الرغيف
وهذا جوع أحزاني.
وكان لي عدو من الأصدقاء كان مثلي يتأدب لكن على شيء من اللؤم فهو لا يكاد يُسَلِّم لي بموهبة.
فتحينت منه غِرَّةً يوما فقلتُ له في أثناء الكلام:
ما أروع ما قال شكسبير: أجملُ ما في اللوحة، الإنسانُ الذي يتأمّلها.
فسكت ولم يقل شيئا، فقلت له : ارفق بنفسك، فوالله ما عرفها شكسبير وإنما الكلمة لي.
فتغير وجهه، وانتفخت أوداجه ثم قال: الحقّ  أن الكلمة ليست بذاك ولا قيمة لها ولا معنى.!!!. ومضى ينتقدها...!!!
وفي هذا المعنى يقول الأحوص:
ومولى سخيفِ الرَّأيِ رخوٍ تزيدهُ ** أَنَاتِي وَعْفِوي جَهْلَهُ عِنْدَهُ ذَمَّا  دملتُ ، ولولا غيرهُ لأصبتهُ ** بِشَنْعَاءَ بَاقٍ عَارُهَا تَقِرُ العَظْمَا
وَكَانَتْ عُرُوقُ السُّوءِ أَزْرَتْ وَقَصَّرَتْ ** بِهِ أَنْ يَنَالَ الحَمْدَ فَ لتَمَسَ الذَّمَّا
طَوَى حَسَداً ضِغْناً عَلَيَّ كَأَنَّمَا ** أداوي بهِ في كلِّ مجمعةٍ كلما  
 ويجهلُ أحياناً فلا يستخفُّني ** وَلاَ أجْهَلُ العُتْبَى إِذَا رَاجَعَ الحِلْمَا
يَصُدُّ وَيَنْأَى فِي الرَّخَاءِ بِوُدِّهِ ، ** وَيَدْنُو وَيَدْعُونِي إِذَا خَشِيَ الهَضْمَا   
فَيُفْرِجُ عَنْهُ إِرْبَةَ الخصْمِ مَشْهَدِي ** وَأَدْفَعُ عَنْهُ عِنْدَ عَثْرَتِهِ الظُّلْمَا  
 وأمنعهُ إنْ جرَّ يوماً جريرةً ** ويسلمني إنْ جرَّ جارمي الجرما  
 وَكُنْتُ مْرَأً عَوْدَ الفَعَالِ تَهُزُّنِي ** مَآثِرُ مَجْدٍ تَالِدٍ لَمْ يَكُنْ زَعْمَا
وكنتُ وشتمي في أرومةِ مالكٍ ** بِسَبِّي بِهِ كالْكَلْبِ إِذْ يَنْبَحُ النَّجْمَا

اشتهار على نحو غريب

اشتهار على نحو غريب:
أنا مِنْ حَجَرٍ، بل أنا حجرٌ لقبر نفسي، لا منفذ فيه للشك أو للإيمان، للحب أو للنفور، للشجاعة أو للقلق، على وجه التخصيص أو وجه التعميم: كلا، بل ثَمَّ (هناك) أمل واحد غامض يحيا، لكنه من نوع شواهد القبور.
للشاعر فانزكافكا.
مات هذا الألماني المسلول الشريد في دنيا اللامعقول، قس مصحٍّ لا يكاد يعرفه فيه أحدٌ، عن عمر إحدى وأربعين سنة، بعد أن رفض رئيسه في العمل أن يمددّ إجازته وهو يُحتضر.
وكان قد عاش حياةً عنى فيها من :تسلط الأب، ومرارة الوحدة،وظلام الفطرة، وخواء الروح، وويلات الأرق، وآلام العبث، وشقاء الأسئلة،وبؤس الإجابات،وقسوة الإلحاد،ويُبس العدم، وحدّة الاغتراب الوجودي ما عاناه...
ثم إن العالم تنبه له بسبب صديق له سعى في نشر أدبه يُدعى –ماكس برود-،فما كُتب في القرن العشرين عن كاتب بعد ذلك ما كُتب عنه: أزيد من ستة عشر ألفاً ما بين مقالة وبحث وكتاب في كثير من اللغات، منها ألفا رسالة دكتوراه! حتى إنه كُتبت مقالات في تحليل فرقة شعر رأسه التي ظهر بها في بعض الصور.
ثم هنالك المهرجانات والمئويات ولندوات وطوابع البريد...
وتَقَصٍّ لكل مكان عاش فيه أو مرًّ به أو ذكره في كتاب منكتبه، وتتبُّعٌ لكل من عرفه أو حادثه أو رآه...حتى كتبت عته امرأة كانت تلقاه في المصعد مصادفةً عدة مقالات.
وتنازعته ثلاث دول: ألمانيا والنمسا والتشيك.
وبيعت مخطوطةٌ لكتاب من كتبه بخطه في مزاد عالمي بما يعدل سبعة ملايين ريال، ابتاعتها حكومة ألمانيا وكانت رصدت لها أضعاف هذا المبلغ.
وقارئ أشعاره وكتابته يشعر بالحزن العميق والألم الدفين والمشاعر المضطربة.
وكما قال الشاعر جبران خليل جبران:
لم أتمن مرة**هذي الأماني الكبر
ولم أبال كتابا**لي انطوى أو انتشر
ولم أبال اسمي إن **لم يشتهر أو اشتهر
وكقول محمود سامي البارودي:
وَمَا ضَرَّنِي أَنِّي تَأَخَّرْتُ عَنْهُمُ ** وَفَضلِى َ بينَ العالمينَ شَهيرُ
فَيَا رُبَّمَا أَخْلَى مِنَ السَّبْقِ أَوَّلٌ ** وَبَذَّ الجِيادَ السابِقاتِ أَخيرُ

ابتهال صادق

ابتهال صادق:
لنردد معا هذا الابتهال ونشعر بعظمة الله وذلنا، وبرحمة الله وبجرم أعمالنا، عسى ولعل، والمأمول في الله كبير:
اللهم إنا نسألك ما نسأل، لا عن ثقة ببياض وجوهنا عندك، وحسنِ أفعالنا معك، وسوالف إحساننا قِبَلِك، ولكن عن ثقةٍ بكرمك الفائض، وطمعا في رحمتك الواسعة.
نعم ، وعن توحيدٍ لا يشوبه إشراك، ومعرفة لا يخالطها إنكار..
وإن كانت أعمارنا قاصرة عن غايات حقائق التوحيد والمعرفة؛ فنسألك أن لا ترد علينا هذه الثقة بك، فتُشْمِتُ بنا مَن لم تكن له هذه الوسيلة إليك.
اللهم يا مولج الليل  والنهار عُدْ علينا بصفحك عن زلاتنا، وأنعشنا عند تتابع صرعاتنا، وكن لنا وإن بم نكن لأنفسنا لأنك أولى بنا....


قائله : أبو حيان التوحيدي.

التراجم الذاتية (فبئس الناس وبئس الحياة)

التراجم الذاتية (فبئس الناس وبئس الحياة):
التراجم الذاتية هي التي يتكلم الكاتب عن نفسه وحياته وما أصابه فيها ....
قارئ كتب التراجم الذاتية يتوصل لقناعة من دروسها أن كل تجارب الإنسان في حياته قابلة للنجاح والفشل، لا يخرج شيء من تجارب حياته إلى غير هذين.
وأما معاملة الله فإنها لا تقبل إلا النجاح ببرهان وثيق.
وما إن يستمر المرء في القراءة في التراجم (السير) الذاتية، حتى يصل أمام حقيقتين تطلان عليه وهما:
1- أن المترجمين لأنفسهم والكاتبين لسيرهم يُجمعون كلهم على اختلاف ألسنتهم وألوانهم وأزمانهم وأعمارهم وأديانهم، وتفاضل تجاربهم، وتباين مشاربهم، وتنوع مطارح مقاديرهم، على:
أن الحياة نّصّبٌ ومشقة، وأنهم ما نالوا ما نالوه منها إلا بالصبر  والتجلّد والمغالبة.
قلْ لزماني ما شئتَ فاضغط ** قد دبرَ الجابرُ الجليبُ
أصبتني بالخطوبِ حتى ** لم تُبْقِ لي مقتلا تصيبُ
في كل يومٍ جورٌ غريبٌ ** عندي عليه صبرٌ غريبُ
حتى لقد صار عجيباً ** منك الذي كله عجيبُ
وهذا شأن الحياة مع الناس، لا تؤخذ الحياة بسهولة ويسر ، بل بعسر وتعب ومشقة ، ومغالبة الآخرين حتى تتوصل لما تريده سواء كان بوسائل شرعية ومعاملات فاضلة وأخلاق حسنة لمن تربى ونشأ على حسن التربية وطيب البيئة.
أو بوسائل غير شرعية ومعاملات ملتوية وأخلاق سيئة لمن أراد بلوغ هدفه بأس طريقة وأي سبيل، من النصب والاحتيال والخداع والكذب والنفاق والظلم .
وقد يكون قد نشأ على سوء التربية وقذارة أخلاق مَن حوله، أو كان عَرَضا عرض له فاستحكم منه لسبب أو آخر.
قال المتنبي:
لا تحسبن المجد تمرا أنت آكله***لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا
وقال محمود  سامي البارودي:
من طلبَ العزَّ بِلا آلةٍ ** أَدْرَكَهُ الذُّلُّ مَكانَ الظَّفَرْ
فَاصْبِرْ عَلَى الْمَكْرُوهِ تَظْفَرْ بِما ** شِئْتَ ، فَقَدْ حَازَ الْمُنَى مَنْ صَبَرْ
وقال أحمد شوقي:
وما نيل المطَالِبِ بالتمني ***ولكن تؤخذ الدنيا غلابا.
وما استَعصى على قومٍ مَنال*** إذا الإقْدَامُ كان لهم رِكابا
2- يُجمِع من كتب في التراجم والسير الذاتية وفيهم العالم والأديب ، والمخرج والممثل والفيلسوف، والقائد والجندي، والسياسي والأستاذ، والرسام والمهندس، والتاجر والطبيب والمريض،والسجين والفقير، ومن شئت وما شئت، يجمعون على فساد طبيعة الإنسان، وسوء خُلُقِه، وبشاعة مَخبَرَهِ،وخُبْثِ طَوِيَّتِهِ،ورداءةِ صنفه، وأنه لم ينلهم من أوصاب هذه الدنيا وأدواء هذا العمر وأتراح هذي الروح،أشدّ ولا أشقّ ولا أكثر إيلاماً من صراع الإنسان وحسَدهِ وقُبحه.
فمِن كاذب لا يصدق إلا في أنه كاذب، وخائنٍ لمَن ائتمنه، ومنتكِّر لصديق أحوج ما يكون إليه، وظالمٍ يطلب ما لاحقَّ له فيه،وجاهلٍ خابي الذّهن فاترِ الموهبة يَنقَم على هذا وذاك أنّ منَّ الله عليهما بما ليس فيه.
إلى ذي روحٍ خبيثةٍ يأبى صاحبها أنتُزَع منه قبل أن يسيء إلى مَم أحسن إليه، وذي أَثَرَةٍ مفرطةٍ يتمنى معها أن لو صَرَمَ نصف أهل الدنيا ولا تفوته نومة العصر.
في أمثلة بغيضة، ونماذج كريهة، ونسخ مكرورة مشوَّهة، يخجل المعافي أن يجتمع معها في مسمى واحد.
حتى قال بعض المؤلفين-شبه معتذر-!!!: لعلي لا أجانب الصواب ولا أبتعد عن جوهر الحقيقة إن قلتُ: إنني كائن بشري.
ناسٌ، إذا عَبَدُوا عُدُّوا ملائكةً***وإن طغَوا فهُمُ جِنٌّ عفاريتُ

إن الطبيعة البشرية فيها مثل هذه الخصال والأخلاق التي تجعل المرء يفكر ألف مرة بمعاشرة الناس واتخاذ الأصحاب، ولكن ماذا يفعل الإنسان ، والإنسان مدني بطبعه، واتخاذ طريق الوحدة والابتعاد عن الناس أمر شاذ ونادر لا يستقيم مع الطبيعة البشرية وإن وردت بعض الآثار في مثل هذا، لكن لا يستطاع فعل ذلك، لأن الطبع غلب التطبع، والطبيعة تغلب التصنع، ولو قال مَن قال مَا قال.
قال أبو العلاء المعري:
وجانِبِ الناسَ تأمَنْ سوءَ فعلِهمُ***وأن تكونَ لدى الجلاّس ممقوتا
لا بدّ من أن يُذِمِّوا كلّ مَن صحبوا***ولوْ أراهمْ حَصى المِعزاءِ ياقوتا
وقَضِّ وقْتَكَ بالتّقْوى، تجوّزُهُ***حتى تصادِفَ يوماً، فيه، موقوتا
وكما  في الناس أخيار فأيضا يوجد أشرار لأن متلازمة الضدين موجودة في هذا العالم القائم عليه، ليستقيم أمره ويجري على النسق الذي رُتِّبَ له.
فالأبيض والأسود، والظلم والعدل، والنور والظلام، والخير والشر، وهكذا فإن هذه الأمور موجودة، حتى يختار الإنسان ما يريد ليحاسب على اختياره.
قال عبد الغني النابلسي:
وما أنت مجبور وربك خالق ** لك الاختيار المحض من غير مرية
وقال محي الدين:
حتى تجازى كلُّ نفسٍ سعيها ** يومَ الوقوفِ عليه يومَ حسابِ
ومع هذا وذاك فإن الإنسان السوي يتعلم من الآخرين تجاربهم في حياته، وخاصة من تراجمهم لأنفسهم وكتابتهم لسيرهم-بغض النظر عن صدقها أوكذبها، عن صحتها أو خطئها- وهكذا يفتح الإنسان الباب ليدخل إلى الشارع ويعود إلى الحياة كرّة أخرى ، فإذا الإنسان ذئبٌ يقطع أخاه الإنسان قطعا شديدا، وإذا الحياةُ هي الحياة: تلد بنيها، ثم تعود فتخونهم وتفعل بهم ما تفعله أم التماسيح من قتلهم إن جاعت.
فبئس الناس وبئس الحياة
سئمتُ كل قديمٍ*** عرفتُه في حياتي

إنْ كانَ عندكَ شيءٌ *** من الجديدِ فهاتِ 

الأربعاء، 16 أكتوبر 2013

اهدنا: نظرة علمية ونفحة إيمانية

(اهدنا) نظرة علمية ونفحة إيمانية:
من رحمة الله بالخلق أنه هدى كل مخلوق لعمله، واودع فيه رحمة لأطفاله، وألهمه العمل بما يناسب حاله، والفعل بما يمائل وضعه.(كل شيء عنده بقدر)
وهداية الله للمخلوقات أدلتها كثيرة متنوعة، وهي موجودة فينا وحولنا من مخلوقات أوجدها الله .
وهذه نظرة على طرق الهداية التي وضعها الله للمخلوقاتلكي نعتبر ونتعظ ونفكر بأن العالم أوجده الله تعالى، وأن هذا الكون بما فيه أدلة تشير لله تعالى وتقول بأن الله ربها وخالقها.
فلم هذا العناد من العلمانيين وأعداء الإسلام بإنكارهم لوحود الله ولمحاربتهم لشرع الله، ولم هذه الكراهية ليحكم الاسلام بشرعه السمح في بلادنا الإسلامية؟!!
نسأل الله السلامة وأن يتفكروا بهدوء وروية ولا يحكموا بتسرع وتعجل ويتعصب وتزمت.
حيوان يسمى الأكسيوكوب:
حيوان يعيش منفردا في فصل الربيع ومتى باض مات حالان فمن رحمة الله وجميل صنعه ورأفتته بالخلق أن ألهم هذا الحيوان أن يبني بيتا قبل أن يبيض على منوال ما كانت تفعله عاد من اتخاذ البيوت بالحفر، ولكن هذا في الخشب، وأولئك في صخر، فيعمد إلى قطعة من الخشب فيحرفها حفرة مستطيلة، ثم يجلب طلع الأزهار وبعض الأوراق السكرية ويحشو بها ذلك المكان، والحكمة من ذلك أن تحصل الأولاد على قوتها، ثم يصنع سردابا آخر فوقه وهكذا يفعل عدة أدوار حتى يحصل الصغار على طعامهم وقوتهم .
فانظر كيف شملة الرحمة ما خلق وما لم يخلق، فإن ذلك الطعام المخزون رحمة ألهمها الله لذلك الحيوان لولده الذي سيخلق.
النحل والنمل والعنكبوت:
إنها مخلوقات جدير بالمسلم الاطلاع على خلقهم وتدبير الله لهم وإلهامهم ما يكون سببا لحياتهم ونموا.
والناظر إليهم يعلم هداية الله لهم في عمرهم وحياتهم ويرى رحمة الله فيهم.
أما النحل:
جعل الله للنحل سبلا مذللة، فإنه متى فتح زهرة اول النهار ليمص رحيقها المختوم ويرجع به إلى الخلية فيضعه فيهان يلهم ألا يفتح زهرة في ذلك اليوم إلا ما كان من جنس ونوع وصنف تلك الزهرة لرحمة النحل ورحمة الناس.
أما رحمة النحل فإنه لا يعوزه أن يحتال ويجهد في فتح زهرات أُخريات من نوع آخر، فيطول عناؤه ويزداد تعبه وجهده.
وأما رحمة الناس: فإن ما يعلق برجلي النحلة من حبوب طلع الذكور من النبات، إذا وصل إلى زهرة أنثى علق بها من ذلك الطلع بعضه فأثمر ذلك النبات لحصول الالقاح بهذه الرحمة العجيبة.
فسبحان الله على حسن تدبيره وجميل صنعه.
وأما النمل:
فمن عجيب هداية الله له ورحمته:
 أن الله خلق له حشره تسمى(افس) يحاربها النمل ويغلبها، ومتى غلبها أخذ يستولدها ويربيها ويسمنها في أكل ورق الورد، ومتى أكلت وشبعت أقبل النمل عليها وامتصّ منها مادة حلوة، فكأن هذه الحشرة بقرة للنمل تشرب لبنها.
وأما العنكبوت:
ان الله ألهمها النسج البديع بهندسة فاقت هندسة الإنسان، وعلل ذلك العلماء بقولهم: إن هندسته إلهية، وهندسة الإنسان بتعليم البشر، فلذلك يغلط الإنسان ولا يغلط العنكبوت.
ولما كان بيت العنكبوت أضعف بيت ألهمها الله أن تبحث عن صمغ وغراء من أماكنها وأشجارها وتمضغها فتصبح في لعابها مادة فيها فتلطخ بها خيوطها التي نسجتها فتكسبها لزوجة، فلذلك لا تمزقها الرياح إذا فاجأتها، وتلتقط الذباب والفراشات وغيرها إذا وقعت بها.
فسبحان الله على هذا التدبير والالهام .
ألا يدل ما سبق ذكره على وجود الله وعلى أن القرآن الكريم كلامه الذي ما حرف ولا بدل ولا غير، وأن رسول الله  عليه الصلاة والسلام رسوله حقا وصدقا، وأن شرعه الاسلام موافق ومطابق وصالح لكل زمان ومكان.
فالذي هدى هذه المخلوقات وألهمها العمل والتدبير، أيعجز عن تدبير أمور البشر في شرعه الحكيم .

سبحان الله كيف لعقول تدعي أنها على العلم تسير وبالمعرفة تنقاد كيف أنها بعد معرفة كل هذا تظل محاربة لشرع الله مستهزئة به.
ونختم بحكمتين من الأدب الكبير لابن المقفع:
حكمتان:
إذا هممت بخيرٍ فبادر هواكَ، لا يغلبك، وإذا هممتَ بشرٍ فسوف هواك لعلك تظفرُ. فإن ما مضى من الأيامِ والساعاتِ على ذلك هو الغنمُ.
لا يمنعنك صغرُ شأن امرئ من اجتناء ما رأيتَ من رأيه صواباً والاصطفاء لما رأيتَ من أخلاقه كريماً، فإنّ اللؤلؤة الفائقة لا تهانُ لهوانِ غائصها الذي استخرجها.
العلم زين لصاحبه:
من أبوابِ التوفقِ والتوفيقِ في التعلمِ أن يكون وجه الرجلِ ا لذي يتوجهُ فيه من العلمِ والأدب فيما يوافقُ طاعةً ويكونَ له عندهُ محملٌ وقبولٌ. فلا يذهبُ عناؤهُ في غير غناءٍ، ولا تفنى أيامهُ في غير دركٍ، ولا يستفرغُ نصيبهُ فيما لا يسنجعُ فيه، ولا يكون كرجلٍ أرادَ أن يعمر أرضاً تهمةً فغرسها جوزاً ولوزاً، وأرضاً جلساً فغرسها نخلاً وموزاً.
العلم زينٌ لصاحبهِ في الرخاء، ومنجاةٌ لهُ في الشدة.
بالأدب تعمرُ القلوبُ، وبالعلمِ تستحكمُ الأحلامُ.
العقل الذاتي:
العقل الذاتي غير الصنيعِ، كالأرضِ الطيبةٍ غير الخرابِ.
قال الحكم بن قنبر:
العلم زين وتشريف لصاحبه ** فاطلب هديت فنون العلم والأدبا
لا خير فيمن له أصل بلا أدب ** حتى يكون على ما نابه حدبا
صاحب العلم معروف به أبدا ** نعم الخليط إذا ما صاحب صحبا
وقال الإلْبِيرِيُّ:
إِذَا مَا لَمْ يُفِدْكَ الْعِلْمُ خَيْراً ... فَخَيْرٌ مِنْهُ أَنْ لَوْ قَدْ جَهِلْتَا
وَإِنْ أَلْقَاكَ فَهْمُكَ فِي مَهَاوٍ ... فَلَيْتَكَ ثُمَّ لَيْتَكَ مَا فَهِمْتَا
سَتَجْنِي مِنْ ثِمَارِ الْعَجْزِ جَهْلاً ... وَتَصْغُرُ فِي الْعُيُونِ إِذَا كَبِرْتَا
وَتُفْقَدُ إِنْ جَهِلْتَ وَأَنْتَ بَاقٍ ... وَتُوجَدُ إِنْ عَلِمْتَ وَلَوْ فُقِدْتَا
وَتَذْكُرُ قَوْلَتِي لَكَ بَعْدَ حِينٍ ... إِذَا حقّاً بِهَا يَوْماً عَمِلْتَا
وَإِنْ أَهْمَلْتَهَا وَنَبَذْتَ نُصْحاً ... وَمِلتَ إِلَى حُطَامٍ قَدْ جَمَعْتَا
فَسَوْفَ تَعَضُّ مِنْ نَدَمٍ عَلَيْهَا ... وَمَا تُغْنِي النَّدَامَةُ إِنْ نَدِمْتَا

المصادر:
-الأدب الكبير والصغير لابن المقفع.
-الأمالي في لغة العرب للقالي البغدادي.
-موسوعة الحيوانات .
-قصائد من عيون الشعر.

بئس هذا الناس

بئس هذا الناس:
قال ابن المعتز:
و ما خفنا من الناسِ  ***وهَل في النّاسِ إنسانُ؟
قال بلزاك:
إنهم يعرفون أنهم أكثر مما ينبغي،وأنه لا بدّ أن يفترس بعضُهم بعضاً شأن العناكب في عاء واحد.
هذه النفس الإنسانية غريبة النوازع والبَدَوَات والأطوار.
ومن مفارقاتها أن الكاتب المبدع  لا يكون في أحسن حالاته إلا إذا ساءت نفسه وتكدرت وحزنت واشتعلت بنار روحه ووقْد ضميره ووو...
وبعض الناس تود لو تعاملها بنعلك لولا خشية أن توسخ نعالك فتتوقف.
قال سفيان الثوري لعطاء الخفاف: يا عطاء: احذر الناس، وأنا فاحذرني.
ومضى على بعض النصحاء زمن يقولون: ربُّوا أبناءكم على الخير والطُّهر، واليوم أصبحوا يرددوا مع القائلين: ستُقنع الغنم بالمذهب النباتيّ، لكن الذئاب لها رأي آخر.
ألا فلتربّوا أبناءكم على كثير من الشرّ، لا ليكونوا أشراراً، لكن حتى يتّقوا من الناس شرَّ الناس.
على وفق قول الشاعر : ومَن لا يَظْلِمِ الناس لا يُظَلَمِ.
كان بعضهم ينصح ويقول: أحسنْ إلى الناس قدر ما تستطيع، وأما اليوم فينصحون:
أقللْ من إحسانك إلى الناس،فإذا أنت أحسنتَ إلى الواحد منهم فلا تُشعرَه بذلك،لأنه سيجعل من إحسانك إليه ذريعةً للإساءة إليك.
قال رجل لآخر: فلانٌ يسيء القول فيك، فقال له: عجيب، مع أني لم أحسن إليه.
وفي المثل: اتقِ شرَّ مَن أحسنتَ إليه.
أَحْسَنْتُمْ فَبَغوا جهلاً وما اعترفوا*** لكم ومَن كفر النُّعمى فقد كفرا
وقال أبو العتاهية:
وَرُبَّ سِلمٍ سَيَعودُ حَربا ... وَرُبَّ إِحسانٍ يَعودُ ذَنبا
وقد كان أحد أخوالي يحسن للناس من أقرباء وأهل وأصدقاء، فلا يلقى منهم سوى النكران وسوء الأقوال والأفعال ، فكان يقابلهم بالصفح والغفران،
وقال لي:
أتبع ما قاله رسول الله فيما ما معناه: اعف عمن ظلمك وصل من قطعك وسامح من أساء إليك.
هذه طبيعة الإنسان في الأغلب نكران الإحسان لمن يُحسن إليه، وذلك بسبب اعتراء النقص على الذي أُحْسِن إليه، وشعوره بالدونية ، يوجد هذا الخلق المتمثل بنكران الإحسان ومقابلته بسوء القول والفعل.
وقلة من الناس من تقابل الإحسان بالإحسان ( هل جزاء الإحسان إلا الإحسان).
كَثُرَ الخئونُ وقَلّتِ الإِخوان ** فالقومُ لا حُسنٌ ولا إحسانُ
ياليت شعري أين كنتُ من الدُّنى ** والناسُ ناسٌ ، والزمانُ زمانُ
وقال البحتري يصف محسنا:
يَتوخى الإحسانَ قولاً وفعلاً***و يُطيعُ الإلهَ بسطاً وقبضا
إلا أن الأغلب هم بعكس ذلك.
في تساعيّة نقدية لماهر فريد يقول فيها:كتب رسكن ذات مرة ما معناه:
في طريقي إلى المتحف البريطاني كلّ صباح ، أجد وجوه الناس في الشارع تزداد فسادا يوما بعد يوم.
قال ابن المعتز:
يرى في وجههِ الجهمِ  ***لهم جحدٌ وكفرانُ
فهَلاّ كانَ إمساكٌ ***إذا لم يكُ إحسانُ
يلومونهمُ ظلماً *** فهَلاّ مِثْلَهمْ كانُوا