دين الرحمة ورسول الرحمة:
تمضي السنون والأيام بما فيها من أمور وشؤون، وتتعاقب على الحياة الأمم والأجيال بما لها وما عليها من عطاء أو بناء أو خراب، وتختلف على الناس حضارات تعاقبت وفلسفات ظهرت ومذاهب إنسانية انتشرت ونظريات اجتماعية واقتصادية وسياسية تكونت ، من جراء تقدم الحياة وتنوع الإنسان وتبدل الأحياء فكرا وثقافة.
لكن تبقى الحقيقة الخالدة تلك الحقيقة الصادقة التي لا مراء بها ولا شك فيها،التي تُعلِنُ للدنيا ومن فيها ومن يتعاقب عليها،آناء الليل وأطراف النهار ؛ أن خير دين أُنزِل على خير رسول أُرسِلَ لخير أمة أُخرِجَت للناس إنما هو: دين الإسلام.
إنه دين الرحمة... والرحمة مظهره ومعلمه ، والرحمة داخلة فيه ومعجونة به ، رحم الله بهذا الدين الكون كله:
إنسه وجنه؛ زرعه وضرعه؛ دوابه وهوامه و طيره، كما بينت ذلك آيته الكريمة في قوله تعالى:( ورحمتي وسعت كل شيء).
ولم يكن ليحمل هذه الرسالة الخالدة ولهذا الدين العظيم إلا مَن أَعَدَّه الله لها خَلقَاً وخُلُقاً، وحكمةً ورفعةً وسمواً...
ومَن غير محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، رسول الله نبي الإسلام.
ولم يكن ليهدي الناس إلى عبادة الرّحمن الرّحيم إلا من حَمَلَ بين جنبيه قلباً ثرياً بآيات الرحمة،نابضاً بالمحبة والإخلاص في العمل، نابضاً بمعاني الفضل والإحسان والبر والتقوى، والحب والإيمان.
ولقد نال كل مَن في الوجود حظه من رحمة محمد صلى الله عليه وسلم، وتمثل فيه قول الله تعالى : (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين).
لقد تجلَّت رحمة النبي عليه الصلاة والسلام في أقواله وأفعاله؟، في سيرته ومعاملاته، في حربه وسلمه، لأصدقائه ولأعدائه.
وإن صفة الرحمة لهي صفة لصيقة بالنبي عليه الصلاة والسلام سارية فيه جارية به، كما يجري الدم في العروق.
هذه الرحمة لم تكن لتصدر منه لولا اتصافه بها وتخلقه بها تخلقا كثيرا حتى أصبحت طبعا من طباعه وعملا لا إراديا من اعماله.
حينما نطوف في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم فسوف نراها كثيراً.
سنرى رحمته فيدعوته لعشيرته وخوفه عليهم من البقاء على الكفر.
سنرى رحمته في دعوته لعمه أبي طالب وإلحاحه عليه وهو في فراش الموت بأن يقول لا إله إلا الله حتى يحاجج بها ربه ليدخله للجنة.
سنرى رحمته تتبدى في صورة زاهية بألوان المحبة وأشكال الحنان، حين رفض رسول الله طلب المَلَك أن يُطبِقَ الجبلين على أهل الطائف الذين عذبوه وضربوه وسلطوا عليه سفهائهم يضربونه بالحجارة.وقال: لا، لعل الله أن يُخرِج من أصلابهم من يعبد الله.
والله إنها صورة تأخذ بلب الإنسان وعقله، وتجعله يقف مذهولا من هذا الخلق العظيم وهذه الرحمة الكبيرة، التي فُقِدَتْ من قلوب الكثير من الدعاة والعلماء والمشايخ، فلا ترى منهم إلا كل جفاء وغلظة وتبديع وتفسيق وتضليل وإخراج المسلمين من الإسلام وإدخالهم في الكفر، ويَدَّعون بعد ذلك أنهم على خُطى الرسول والسلف والقرآن سائرون!!!.
سنرى رحمته بأهله، وكيف يمسك الحسن والحسين ويضمهما إليه .
سنرى رحمته بخدمه، يحدثنا خادم الرسول أنس بن مالك رضي الله عنه فيقول:
ولقد دمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما قال لي قط: أف، ولا قال لشيء فعلته لم فعلته، ولا لشيء لم أفعله ألا فعلت كذا.
يا لها من رحمة كبيرة عشر سنين يخدمه وإنها لمدة طويلة، طويلة جدا،وفي هذه المدة لم ينهره ولم يزجره على شيء فعله أو شيء لم يفعله وقد طًلِبَ منه ان يفعله.
إنها لأخلاق عظيمة لا يتخلق بها إلا كل عظيم، ولا يتصف بها إلا رحيم.
وهكذا على الداع والمسلم أن يكون مع من يدعوهم، والأب والأم في الأسرة، والابن مع الإخوة ، وصاحب العمل مع عامله.
سنرى رحمته بأصحابه الفقراء الذين آواهم وبنى لهم الصُّفة في المسجد النبوي، وكان يعتني بهم ويُنفق عليهم، ويحث الموسرين بالإنفاق عليهم.
هذه رحمة فائضة بعبير الإحسان وعطر المحبة وجمال العمل وجلال الفعل.
ونرى في حياتنا كثيراً من المحتاجين إلى لقمة العيش ليستروا أنفسهم وأهليهم والكثير من المسلمين لا يهتمون ولا يلقون لهم بالا.
فماذا عليهم لو أخذوا من أموالهم كل أسبوع أو شهر مبلغا بسيطا ليفرجوا به كربة مكروب أو يزيلوا هم مهموم أو يساعدوا به محتاج أو يساهموا في مساعدة من يحتاج لدواء أو عملية بالمستشفى، اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق