الريح والرياح في القرآن الكريم تدبر وتفكر:
ما أجمل أن يقرأ المسلم القرآن ويتدبره ويتفكر في معانيه ويتلمس أفانين بلاغته وروعة صياغته وحلاوة نظمه، ففي ذلك من إثارة الإيمان في القلوب الشيء الكثير، وفي ذلك من التعلق بالقرآن ومحبته وذرف الدموع عند سماعه الأثر البالغ في تصفية القلب والروح والنفس من الصفات السيئة والأخلاق الرذيلة والمعاملات البشعة.
وقد بين الله عز وجل سببا من أسباب نزول القرآن أنه للتدبر والتفكر؛ في قوله تعالى:
(كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب).
والآن لنرى معاني ورورد الريح والرياح في القرآن الكريم:
قد يأتي اللفظ بالإفراد تارة، وفي موض آخر يأتي جمعا، فهل لذلك أثر في النظم القرآني البديع.
حين نتتبع الآيات التي ذكر فيها (الريح) نجد أنه حيث ذكرت في سياق الرحمة جاءت جمعا،
انظر إلى قوله تعالى:
1- ( الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابا)
2- ( وأرسلنا الرياح لواقح)
3- ( ...أن يرسل الرياح مبشرات)
وحيث ذكرت الريح في سياق العذاب تأتي مفردة:
انظر معي إلى قول الله سبحانه:
1- (فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا في أيام نحسات...)
2- ( وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية)
3- ( وفي عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم)
وربما لهذا السبب كان دعاء الرسول عليه الصلاة والسلام عند هبوب الريح:
[ اللهم اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا].
وتعليل ذلك:
أن رياح الرحمة تهب من جهات عديدة، مختلفة الصفات والمنافع، وإذا هاجت منها ريح جاء في مقابلها ريح آخر يكسر شوكتها، فينشأ منها رياح طيبة ولطيفة تنفع الحيوان والنبات كعملية إلقاح الزهور مما يفيد النحل في جمع العسل.
وأما إذا كانت الريح بقصد العذاب فإنها تاتي من وجه واحد ولا معارض لها ولا مدافع، ولذا وصفت بالريح العقيم، إذ لا نفع منها ولا فائدة سوى الإهلاك والعقاب للعبرة والاتعاظ.
وقد جاء هذا التصنيف بالريح والرياح في آيات القررآن الكريم إلا مواضع يسيرة مثل قول الله سبحانه:
(... حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف...).
فقد ذكر ريح الرحمة بالإفراد لوجهين:
الأول:
وجه لفظي وهو المقابلة، فإنه ذكر ريح العذاب في (ريح عاصف) وهي مفردة، والمقابلة من فنون البلاغة التي تعطي رونقا للكلام وتنبيها للأسماع وشدّا لللانتباه.
الثاني:
وجه معنوي، وهو أن تمام الرحمة إنما يحصل بوحدة الريح لا اختلافها، فإن السفينة لا تسير إلا بريح واحدة من جهة واحدة، على جهة معلومة بمسار محدد،وإن اختلفت عليها الرياح فإنها ستذهب يمنة ويسرة وأماما وخلفا، وهذا يسبب اختلاف وجهة السير والمقصد، مما يسبب في انحرافها وتصادمها مع الأمواج وكانت سببا في غرقها وهلاكها، والمطلوب هنا ريح واحدة، ولذا وصفها الله الخالق الحكيم في الآية بأنها ريح طيبة دفعا للتوهم أن تكون عاصفة.
وفي تلاوة القرآن وتدبره يقول الشاعر:
نزل الأمين على الأمين به فلا * * * شرف، أجل لأنه الكلمات
وصلِّ، بربك .. لا يقوم إزاءه * * * وصلِّ ولا تتصدع .. اللبنات
وصلِّ نقيم على ضفاف نعيمه * * * وتطيب في أفق النعيم حياة
ويطيبُ قلب بالتلاوة حاضر * * * ويطيب عيش عندها وممات
إني لأغبط في هناءة مؤمن * * * قلباً تحرك جانبيه صلاة
وتلاوة مجلوة بخشوعها * * * وتدبر تهمي به العبرات
هذا الكمال إذا أريد بلوغه * * * هذي النجاة إذا أريد نجاة
وصلِّ، بربك .. لا يقوم إزاءه * * * وصلِّ ولا تتصدع .. اللبنات
وصلِّ نقيم على ضفاف نعيمه * * * وتطيب في أفق النعيم حياة
ويطيبُ قلب بالتلاوة حاضر * * * ويطيب عيش عندها وممات
إني لأغبط في هناءة مؤمن * * * قلباً تحرك جانبيه صلاة
وتلاوة مجلوة بخشوعها * * * وتدبر تهمي به العبرات
هذا الكمال إذا أريد بلوغه * * * هذي النجاة إذا أريد نجاة
المصدر:
البرهان في علوم القرآن لبرهان الدين الزركشي 4/9.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق