الثلاثاء، 26 نوفمبر 2013

إفراد السمع وجمع الأبصار في القرآن الكريم


إفراد السمع وجمع الأبصار في القرآن الكريم:
إذا لم تقرأ القرآن الكريم بدون تفكر وتدبر، فكأنك لم تقرأه.
إذا لم تقرأ القرآن الكريم قراءة خالية من التعصب والتحامل فكأنك لم تقرأه.
إذا لم تُقبِل على القرآن الكريم بسلامة الصدر وسلامة الفكر فلن تستفيد.
محور حياة المسلم هو القرآن الكريم الذي طبقه المسلمون الأوائل فأنشأوا حضارة هي من أعرق الحضارات وأكثرها إفادةً للبشرية.
والمسلم مطالب اليوم بالرجوع للقرآن الكريم، وقراءته قراءة متأنية مستبصرة مواقع الدواء لكل داء نحن فيه، قراءة مُطالعة لنواحي الشفاء من كل مرض اجتماعي ونفسي وفكري نحن غارقون فيه.
لا، لن نستفيد من تقليدنا للغرب، لأنه عدونا ، ومتى كان العدو يُفيد عدوه؟!
لا، لن يُفيدنا الغرب الصليبي ولا الشرق الشيوعي، ولا الالحاد ولا اللادينين ، لأنهم أعداء للمسلمين وللإسلام، وهل سيفيدون مَن يعتبرونه عدوا لهم؟!
فلنصحو من غفلتنا، ولننتبه من رقدتنا، ولنأخذ بالقرآن الكريم فمن تمسك به نجا وأنجى غيره، وسَلِمَ هو ومَن معه.
وانظروا معي لهذه اللطيفة في القرآن الكريم:
إفراد السمع وجمع الأبصار:
الذي يقرأ القرآن يلاحظ أن كلمة (السمع) تأتي مفردا، بينما لفظ (الأبصار) يأتي جمعاً.
فلماذا؟
في قول الله  جلَّ وعَزَّ : ( وجعل لكم السمع والأبصار ....)
وقوله: ( أمَّنْ يملك السمع والأبصار..)
وقوله: ( ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم...)
الملفت للنظر في هذه الآيات وأمثالها، أن (البصر) جاء مفرداً وجمعاً، بينما (السمع) لم يرد جمعا بل جاء مفرداً، فما السبب؟
هناك عدة أوجه لبيان ذلك، منها:
1- أن السمع غَلب عليه المصدرية فأفرَدَه، والمصدر لا يُثنى ولا يُجمع، إلا إذا تَعَدَّدَ مثل: ( وتظنون بالله الظنونا).فالظنون هنا :مصدر تَعَدَّدَ، فَجُمِع.
بخلاف البصر) فإنه اشتهر في الجارحة، وإذا أردتَ المصدر قلتَ: أبصرتُ إبصاراً.
ولهذا لما استعمل السمع في الحاسة(آلة حاسة السمع : الأذن) جمعه، فقال: (يجعلون أصابعهم في آذانهم...)
2- أفرد السمع، لأنه على وزن (فَعْل) ساكن العين صحيحها، ولا يُجمع على (أفعال) على الغالب، وليس له جمع تكسير، فاكتفى بالمفرد لدلالة الجنس على الجمع.
3- مُتَعَلق السمع هو الأصوات، وهي حقيقة واحدة.
ومُتَعَلق البصر هو الألوان، وهي حقائق مختلفة.
 ومهما تعددت الأصوات فلن تسمع إلا صوتا واحدا منها، أما إذا تعددت الأشياء أمامك فيمكن أن تراها كلها جملة واحدة.
4- السمع :آلة تتوقف على مصدر الصوت الذي يَطرق الأذن، فإذا لم يُوجَد مصدر للصوت توقفت عن العمل.
أما البصر:فهو آلة مستعملة ما دام الإنسان يجد أمامه ما يُرى في حال اليقظة.
والسمع عند الجميع واحد، الكل يسمع نفس الصوت، أما الشيء المرئي فإنه مختلف؛ لأننا لا ننظر جميعا إلى شيء واحد، ويتعدد النظر للأشياء المنظورة إليها، ويختلف من شخص لآخر حسب الناظر.
فأفرد السمع وجمعت الأبصار.
كذلك جمع الله كلمة(الأفئدة) لأنها متعددة مختلفة، حسب صاحبها، فواحد يعي ويُدرك، وآخر لا يُدرك ولا يعي، وثالث يعي ولا يُدرك.
ولم يأتِ بالبصر مفردا في القرآن إلا في قوله تعالى: (إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا)، لأن الله يتحدث عن المسؤولية، وهي مسؤولية كل إنسان عن سمعه وبصره وفؤاده، والمسؤولية أمام الله فردية لا يُسأل أحد عن أحد، فناسب أن يكون البصر مفردا.
والله أعلم.
فسبحان الله العظيم على هذا القرآن ونظمه العالي الحافل بالفوائد الكثيرة العديدة.
وقد أخطأ العديد من المسلمين حينما هجروا القرآن وولَّوا وجوههم تجاه غيره ليَتَلَمَسُوا النجاة والعزة والكرامة والمجد والتقدم والتحضر، ولن يتحقق ذلك للمسلمين لأن أعدائهم لن يسمحوا بذلك، ولن يسمحوا لهم إلا بفتات وقشور لا تضرهم إنما تضر المسلمين.
والحضارة تقوم على تهذيب النفس وتخليصها من آفاتها، وتقوم على الأسرة الصالحة نواة المجتمع، وتقوم على العلم والمعرفة اللذين ينتهجان قدسية الإنسان وقدسية الكلمة وقدسية الحوار وقدسية الابداع والاختراع.
بمثل ما تقدم يعلو المجتمع وينهض ويتحضر، لا بأبراج وعمارات ناطحة للسحاب كما في بعض الدول وأهلُها أفكارهم خواء من العلم، وعقولهم جافة من المعرفة، وقلوبهم متصحرة من الإيمان برغم ما يدَّعون ويزعمون.
لا تقوم الحضارة على التقليد وقتل الشخصية في المواطن، ولا تقوم على الاستبداد وزخرفة الباطل واتباع كل ناعق، ولا تقوم على إعطاء المعاذير للظالمين وتحليل أفعالهم والدفاع عنهم وتثبيط همة المجتمع بمعاقبتهم بدعاوي دينية أو سياسية أو اقتصادية.
الحل من هذه الأخطار هو بالرجوع للقرآن الكريم والسنة النبوية بالفهم الصحيح الواعي الناظر للواقع لا بعقول متحجرة حَبَسَتْ نفسها في زمن ماض ولَّى وانقضى، أو بعقول حَبَسَتْ نفسها في بوتقة الغرب لا تبتغي له بدلا، أو بعقول حَبَسَتْ نفسها في مزالق التسيب والانحلال.
والله أعلم.
نأمل من الله تغير الحال، ولا بد نشر العلم و المعرفة، والعمل على تغيير أنفسنا وإصلاحها.
(لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)
وكتاب الله تعالى :
هو خاتم الكتب التي قد أُنزلتْ ** للسابقين بشرعةٍ ووفاقِ
هو ناسخ الكتب التي قد حُرِّفتْ *** بتواطؤ الأحبار والسُّرّاقِ
هو نهجنا وفلاحنا ونجاحنا *** وملاذنا وسعادة العشّاقِ
هو للمريض علاجُه وشفاؤه، **** هو رقيةٌ للمشتكي والرّاقي
هو جُنةٌ من كلِّ شرٍّ أو أذى، **** هو للورى الحصنُ المنيع الواقي
هو جَنةٌ من كل صنفٍ نادرٍ *** للمهتدين تبوح بالأشواقِ
هو معهدٌ للدارسين علومَه، *** هو بُغيةٌ للطّامح التوّاقِ
هو للحياة منظِّمٌ ومرتِّبٌ *** وبه تصير بديعة الإشراقِ
هو للفؤاد مُرقِّقٌ ومُطَهِّرٌ **** من كلِّ حقدٍ أو هوىً وشِقاقِ
هو للوحيد مُؤانسٌ في وحشةٍ ***** ومُنفِّسٌ في حالة الإرهاقِ
هو للحيارَى في الدَّياجي مُرشدٌ **** ومُساعدٌ في حالة الإخفاقِ
هو للعطاشى واحةٌ مُخضرَّةٌ **** ترويهمُ، أَنعمْ به من ساقِ
هو للقُرى والسابقين مؤرخٌ، *** بل مُخبرٌ عن سالف الأعراقِ
هو لافتُ الأنظار للآيات في *** كونٍ بديع الصنع والآفاقِ

المصدر:
البرهان 4/19 .
كشف المعاني ص 98.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق