الجمعة، 1 نوفمبر 2013

دع الطابور وتقدم في الحياة

دع الطابور وتقدم في الحياة:
لئن سَبَقَ الكبيرُ فأهلُ سبقٍ ** له فضلُ الكبير على الصغير
وإن بلغَ الصغير ُمدى كبيرٍ ** فقد خُلِقَ الصغيرُ من الكبير
هل للأسبقية الحضارية واستعلاء التقدّم أثرٌ على الفرق بين ثقافة الصَّفِّ وفلسفة الطابور الذي يقف فيه الناس حتى يأتي دور الواحد منهم ليستلم الخبز مثلا أو ما شابه؟!
إذ قال أحد الغربيين: إن طريقة الوقوف في الطابور هي خيرُ دليل على درجةِ رقيّ مجتمع من المجتمعات.
وقد تلقفاها الكثير من أبناء المسلمين وأخذوا يرددوها كعادة الكثير من التقليد .
ليتك تتفهم هذه الكلمة التي تصف واقعا أليما محزنا علينا لكنه مفرح عليهم حيث يقول أحدهم:
للشرقيين غرورُ أسبقيتهم الحضارية في التاريخ، وللغربيين استعلاء تقدمهم الحضاري على التاريخ.
برَّزتْ سبقَ الجِياد في مهَلٍ ... وقصَّرتْ دون سبقك العربُ
فبينما المسلمون والعرب يعيشون في قوقعة الماضي وبهرجته وآثاره الكبيرة في العزة والرفعة القوة والحضارة و التقدم والأنفة والشَّمم، يفتخرون بالأجداد وبما قدّموه، ويعتزون بالتراث وما فيه، إذ حال المسلمون والعرب في ذلة وصغار، تنهب أراضيهم وأموالهم ويُسخَر من دينهم وعقيدتهم وتاريخهم، ويُستهزئ بهم في المحافل الدولية والندوات الشعبية ، ولا يحركون ساكنا كأن بهم عامل الجزم فأسكنهم سكونا لا حراك به، إلا الشجب أو الاعتراض بالقول، ونُباح الكلب لا يُفيد، أما أن يُلقنوا مَن أساؤا إليهم وإلى دينهم وإلى لغتهم وإلى تاريخهم بالعمل والفعل فلا يستطيعونه، وإن خرجت فئة منهم ليردوا على مَن اعتدى علينا يقفون مع الأعداء ضدهم، هذه سياسة الحكومات الغارقة في الذل والخضوع ، والعلماء المرتزقة من الشيوخ والمثقفين والأدباء يمدونهم بالغيّ ثم هم لا يُقصرون.
ترى أعلمَ الناسِ في عصرِنا ** يقومُ لذي المالِ أو يخدُمُ
فقد أصبحَ العلمُ مستخدماً ** على الرغم والمالُ يستخدمُ
ونجد الغرب يستعلي علينا بحضارته القائمة التي تقوم على العلم والمعرفة والتحفيز للابداع والاختراع وتبني العلماء والمفكرين والمبدعين والمخترعين والنابهين، فتُعطيهم سبل الراحة ليقدموا لهم ولأوطانهم وشعوبهم صفوة فكرهم واختراعهم.
ولم أجِد الإِنسانَ إِلا ابن سعيِه ** فمن كان أسعى كان بالمجدِ أجدرا
وبالهمةِ العلياءِ يرقلى إِلى العلا ** فمن كان أرقى هِمَّةٍ كان أظهرا
ولم يتأخرْ من يريد تقدماً ** ولم يتقدمْ من يريدُ تأخراً
بينما البلاد المسلمة والعربية منها غارقة في تبعيتها للغرب الصليبي والشرق الشيوعي ودعاة العلمانية والليبرالية الذين يربطون هذه البلاد بعجلة تقليد الغرب والتبعية له وعدم الخروج عن فلكه، لنبقى مستهلكين لما ينتجون.
وما وصلنا إليه من وضع كهذا إلا بسبب سوء الحكومات وعدم نظرتها الصحيحة للأمور وتقليدها لغيرها دون مراعاة مطالب شعوبها وتطلعاتهم، فحين لا تستقيم الحكومات تَعَوَجُّ الطوابير، وحينَ تعوَجُّ الطوابير تنحني الجباه في الحياة وتخضع لغيرها خضوعا أليما تشمئز منه قلوب الأحرار والحرائر .
يسوسون الأمورَ بغيرِ عقلٍ ** فينفذُ أمُرهمْ ويُقالُ ساسةْ
  فأفَّ من الحياةِ وأفَّ مني**  ومن زمنٍ رئاسُته خساسَه
     فإذا كان هذا الوضع فلا تقف في الطوابير، لأنها تصدك عن التقدم ، وتُبطئ حركتك عن السعي للعلا والحرية، وتُصيبك بداء الكسل والخمول والاعتماد على الآخرين، مما يجعلك تتقبل الهزائم-وقد فعلنا- وتتقبل الأكاذيب من الحكومات –وقد  تقبلنا لزمن طويل- وتتقبل التدجين وتُسبح بحمد الرئيس والملك والمسؤول وتُعظمه هو والعلماء المرتزقة –وقد حصل معنا ذلك- فنرجع متخلفين عوضا عن أن نتقدم عالمين، ونغدو نعاجا تُسمن لتذبح متى شاء الرئيس والملك ، عوضا عن أن يكونوا تحت نظر الشعوب تُزيلهم إن أخطأوا وتُحاسبهم إن فسدوا.
إذا نظر الكبار إلى علاه ** رأتْ في المجد أنفسها صغارا
وقد سَبق الأعالي في المعالي ** فما لحقتْ له فيها غبارا
ولذلك فإن الوقوف في الطوابير يجعل من الواقف منحني الرأس دائما.
 على أنه إن كان ولا بد من انحناءةٍ فانحناءة من قال:
مُعلَّقٌ أنا على مشانق الصباح
وجبهتي بالموت محنيّه
لأنني لم أحنيها حيّه
والذي ينبغي علينا فعله هو النظر للواقع بحقيقته ومعرفة مكامن الفساد فنزيلها، ومعرفة الذين يصلحون ويسعون لخير البلاد فنساعدهم بالقول والفعل والمساندة، إذ كلٌّ منا مسؤول وراع لجهته التي هو فيها.
ومهذب سبق المقال بفعله ** حيث الفعال نتيجة الأقوال
والسباق الحقيقي هو الذي يُثمِر أثره في الروح والنفس والجسد ، في الفرد والمجتمع، في الرجل والمرأة.
السباق في مجالات تعود على الآخرين بالسعادة والبهجة والخير للعموم والخصوص.
السباق في العلم والعلوم المتنوعة ، السباق في المعرفة وأنواعها المتعددة.
السباق في الاختراع والابتكار والابداع بصنوفه المختلفة  .
ويكون ذلك بالتشجيع والتأييد والنشر والتعميم.
جاء في كتاب تيسير الوصول إلى الثلاثة الأصول:
ومن علم أن الدنيا دار سباق وتحصيل للفضائل,وأنه كلما علت مرتبته في العلم والعمل زادت المرتبة في دار الجزاء , انتهب الزمان ولم يضيع لحظة , ولم يترك فضيلة تمكنه إلا حصلها , ومن وفق لهذا , فليبتكر زمانه بالعلم , وليصابر كل محنة وفقر , إلى أن يحصل له ما يريد ، فالراحة لا تنال بالراحة ، قال الفضيل بن عياض :
اعمل لنفسك قبل الموت مجتهداً ** فإنما الربح والخسران في العمل   وليكن مخلصاً في طلب العلم عاملاً به , حافظاً له , ومن فاته الإخلاص , فذلك تضييع زمان وخسران جزاء , ومن فاته العمل به , فذاك يقوي الحجة عليه والعقاب له .انتهى.
أما أن يقف العربي وغيره والمسلم وغيره في بلادنا ينظر إلى الغرب ليتلقف منه ما يُحدثه ويبتكره دون أن يكون له أي يد فيه، فهذا هو الطفل الرضيع الذي ينتظر من أمه الرضاعة وقت جوعه.
وكم آسف لهذا الوضع الذي نعيشه، فلا علم لنا نُفاخر به الأمم، ولا اختراع لنا نباهي به الآخرين، ولا حضارة خاصة بنا نُظهرها، إنما ما نفعل هو تقليد الغرب فيما يأتي ويدع، فيما يقول ويفعل، فيما يكون عنده ويُوجَد، حتى الأشياء والأمور التي لا تُوجَد عندنا قلّدناه بها.
علينا اليقظة من نوم لا زلنا به، علينا النهوض من عبء التقليد الذي لا زلنا غارقين به.
سبق الملوك إلى العلا ولقد أتى ** متأخّراً فاستوجب التقديما
فلندع طوابير المقلدين والخانعين ومرتزقة العلم والساسة والقادة، ولنبدأْ بإقامة جيل يعتمد على نفسه بالعلم والمعرفة والابتكار والاختراع، لنقيم جيل بدون قيود التقليد عليه، ولا سلاسل التقييد فيه، سواء من الغرب الصليبي أو الشرق الشيوعي أو التعصب والتزمت أو التسيب  الأهلي.
جيل ذو شخصية ذاتية لا تقليدية، جيل لا يقف في طوابير المقلدين للآخرين في أي من شؤونه،جيل يبتكر ويخترع ويُحَوِّل غثاءنا إلى ماء نافع يحيي ميت الابداع فينا ، جيل يسبق الآخرين في أصالته وإبداعه ليصل إلى المعالي ويحصل على الفخار والعزة.
ودم في سبقِ غاياتِ المعالي ، ** تصوبُ للفخارِ جوادَ عزمِ
 المصادر:
عيون الأشعار.
ميراث الصمت والملكوت.
مجمع الحكم والأمثال

تيسير الوصول إلى الثلاثة الأصول

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق