الاثنين، 13 يناير 2014

رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم وحسن الخلق


رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم وحسن الخلق:
لقد اصطفى الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم، وبعثه رحمة للعالمين بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، فدعا إلى الله وإلى دين الإسلام، وبلغ الناس البلاغ المبين الواضح الخالي عن الشوائب والمبهمات، وكان بلاغه ودعوته للناس بالحكمة والموعظة الحسنة، والمجادلة بالأحسن والأفضل من القول والحوار الراقي الهادف بالرحمة والرقة واللطف والحنان، من غير غلظة أو جفاء أو قسوة، كما علَّمَه الله ورباه وأمره وهداه.
وقد أرشد الله عز وجل نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم إلى الصراط المستقيم، وأرسله متمماً لمكارم الأخلاق، وأدبه فأحسن تأديبه في كل مجال وكل مقال وكل فعال وكل تصرف وكل فعل وعمل، وأرشد الله عز وجل نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم إلى التحلي بأفضل الأخلاق وأجمل الصفات وأحسن التصرفات،ورباه على أرقى وأنبل الخِصال، فقال سبحانه وتعالى: ( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين)، كما وصفه بأعظم الخُلُق، فقال: ( وإنك لعلى خلق عظيم)وقد وُصِف الرسول  محمد صلى الله عليه وسلم بأحسن الخُلُق لما جاء فيه : ( كان أحسن الناس خُلُقَاً) كما كان أحسنهم خَلْقَاً.
ذلك لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قد استمد من القرآن الكريم الصفات الحميدة والأخلاق الشريفة فطبقها ونفذها، فقد سُئِلَت السيدة عائشة رضي الله عنها وعليها السلام عن أخلاق رسول الله فأجابت : [ كان خُلُقُهُ القرآنَ] وهذا معناه : أن كل الصفات الحميدة التي دعا إليها القرآن قد اتصفَ بها النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وكل الأخلاق الذميمة التي نهى القرآن عنها تركها النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
وهذه دعوة للمسلمين بأن يكون مقتَدِينَ بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم في أخلاقه وصفاته ومعاملاته حتى يصلوا للمكان الأرفع والمنزلة الأعلى في الجنات، إذ أن الخلق الحسن يرفع منزلة صاحبه في الدنيا ويرجح كفته في الآخرة ويُثقِل كفته في ميزان الأعمال يوم القيامة، لنسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : [ ما مِن شيءٍ أثقل في ميزان العبد المؤمن يوم القيامة من حُسْنِ الخُلُقُ، وإن الله يٌبغِضُ الفاحش البذي].
فلنظر في أخلاقنا أهي حسنة أم سيئة، ولنراقب ألفاظنا أهي حسنة أم فاحشة وبذيئة.
ولقد كان سيد الرسل والأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم المَثَلَ الأعلى في حُسن الخلق وكريم الفضائل وجميل الخِلال، وبأخلاقه المثلى مَلَكَ القلوب والعقل واستحق ثناء الله عز وجل بقوله :  (وإنك لعلى خلق عظيم) يقول الحافظ ابن كثير:معنى هذه الآية أن  رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم صار امتثال القرآن أمراً ونهياً سجيةً له وخُلُقَاً وتطبعاً، فمهما أمره القرآن فعله، ومهما نهاه عنه تركه، هذا مع ما جبله الله عليه من الخُلُق العظيم من الحياء والكرم والشجاعة والصفح والحلم وكل خُلُق عظيم.اهـ.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤكد أهمية الخلق الحسن للصحابة الكرام، ويحضهم على التجمل به، ويحببه إلى نفوسهم بأساليب شتى من فعله وتصرفه وقوله، إدراكاً منه لأثره الكبير في تهذيب الطباع وتزكية النفوس وتجميل الصورة.
إذ أن الأخلاق الحسنة تنير في العقول طريقاً للتصرف بأجمل الأفعال في الأعضاء، وتحرك الجسم والجسد للسير على أفضل الطباع وأحلى الصفات، وتُسير الفكر نحو رياض الأفعال المرضية والتصرفات الجميلة، فتؤثر على الآخرين ، فتهدي ضالاً و تُرشِد تائهاً وتُدخِل في الإسلام مشركاً وكافراً.
لأن للأخلاق الحسنة والصفات الحميدة الأثر الكبير في انتشار الإسلام في بقاع الأرض وانتشار نوره في نفوس الناس وانتشار ضيائه قي العقول والأفكار.
وقد روى لنا التاريخ أن كثيراً من الشعوب دخلوا الإسلام لاحتكاكهم بالمسلمين وتعرفهم على أخلاقهم الفاضلة، ومعاملاتهم الحسنة التي كانوا يتعاملون بها معهم، من الصدق في القول، وأداء الأمانة، والوفاء بالوعد، والمحافظة على العهد، وطيب الكلام، ومساعدة الكبير ولو كان غير مسلما، ومساندة المظلوم، والشجاعة في خوض الصعاب، والدعوة والإرشاد برفق ولطف وحنان، وأداء الحقوق لأهلها، والبعد عن الاستغلال والاستهتار ، واحترام المرأة والوقوف معها في المحن لأنها مخلوق ضعيف وكذا مع الطفل الصغير والعجوز الكبير، والمساهمة في أعمال البر والخير، بوجه بشوش وابتسامات صادقة.
بمثل هذه الأخلاق والصفات عامَل المسلمون غيرهم من شعوب العالم، فأثروا فيهم فدخلت في الإسلام من غير حرب أو قتال، لأن الفِطَر السليمة في الناس تنجذب لحسن الأخلاق فتتقرب منه ويدخل قلبها وعقلها فما يلبث إلا أن يُسلِم.
وهذا هو المطلوب من المسلم سواء كان داخل بلد مسلم أو خارج بلد مسلم، والمسلم في أوروبا وروسيا والأمريكتين وأستراليا والشرق الأقصى كالصين واليابان وغيرهما، مطالب بأن يكون حسن الأخلاق جميل الصفات راق ومهذب في تصرفه وقوله، بعيد عن كل ما يسوء للإسلام وللقرآن وللنبي محمد صلى الله عليه وسلم، حتى يتأثر به الآخرون، فيدخلون في الإسلام، وهذا فعلٌ عظيمٌ وعملٌ جليلٌ، وله ثوابٌ كبيرٌ وكبيرٌ جداً،فمَن فعلَ هذا يكون قد اقتدى برسول الله صلى الله عليه وسلم ومشى على دربه وسار على خُطاه، فيكون له المنزلة العليا في الدنيا والآخرة والتي مِن أهمها مرافقة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومَن منا يرفض ذلك، ومَن منا يكره ذلك؟!!
  قال ابن حزم: " من أراد خير الآخرة، وحكمة الدنيا، وعدل السيرة، والاحتواء على محاسن الأخلاق كلها، واستحقاق الفضائل بأسرها؛ فليَقْتَدِ بمحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وليَسْتَعمِلْ أخلاقه وسيرته ما أمكنه...".
والواجب علينا نحن المسلمين أن نبذلَ قصارى جهدنا في نشر السيرة النبوية والسنة الشريفة والقرآن العظيم، بكل وسيلة شرعية متاحة، كل واحد في مكانه وفي الموضع الذي يعمل به ويعيش فيه، وذاك إظهاراً لحبنا لرسول الله وتطبيقا لأوامره ومشياً على نهجه وسيراً على متابعته، وهذا من الأمور التي نُظهِر توقيرنا للنبي صلى الله عليه وسلم وتعزيزه ونصرته والدفاع عنه.
المصادر:
- تهذيب الأخلاق لمسكويه ص 1.
- صحيح البخاري ومسلم وسنن الترمذي.
- تفسير القرآن العظيم لابن كثير 8/ 189.
- الأخلاق والسير لابن حزم ص 67.
من معالم الرحمة في اخلاق نبي الرحمة ص17أبحاث مؤتمر نبي الرحمة 

مجلد1

الاثنين، 6 يناير 2014

دين الرحمة ورسول الرحمة


دين الرحمة ورسول الرحمة:
تمضي السنون والأيام بما فيها من أمور وشؤون، وتتعاقب على الحياة الأمم والأجيال بما لها وما عليها من عطاء أو بناء أو خراب، وتختلف على الناس حضارات تعاقبت وفلسفات ظهرت ومذاهب إنسانية انتشرت ونظريات اجتماعية واقتصادية وسياسية تكونت ، من جراء تقدم الحياة وتنوع الإنسان وتبدل الأحياء فكرا وثقافة.
 لكن تبقى الحقيقة الخالدة تلك الحقيقة الصادقة التي لا مراء بها ولا شك فيها،التي تُعلِنُ للدنيا ومن فيها ومن يتعاقب عليها،آناء الليل وأطراف النهار ؛ أن خير دين أُنزِل على  خير رسول أُرسِلَ لخير أمة أُخرِجَت للناس إنما هو: دين الإسلام.
إنه دين الرحمة... والرحمة مظهره ومعلمه ، والرحمة داخلة فيه ومعجونة به ، رحم الله بهذا الدين الكون كله:
إنسه وجنه؛ زرعه وضرعه؛ دوابه وهوامه و طيره، كما بينت ذلك آيته الكريمة في قوله تعالى:( ورحمتي وسعت كل شيء).
ولم يكن ليحمل هذه الرسالة الخالدة ولهذا الدين العظيم إلا مَن أَعَدَّه الله لها خَلقَاً وخُلُقاً، وحكمةً ورفعةً وسمواً...
ومَن غير محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، رسول الله نبي الإسلام.
ولم يكن ليهدي الناس إلى عبادة الرّحمن الرّحيم إلا من حَمَلَ بين جنبيه قلباً ثرياً بآيات الرحمة،نابضاً بالمحبة والإخلاص في العمل، نابضاً بمعاني الفضل والإحسان والبر والتقوى، والحب والإيمان.
ولقد نال كل مَن في الوجود حظه من رحمة محمد صلى الله عليه وسلم، وتمثل فيه قول الله تعالى : (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين).
لقد تجلَّت رحمة النبي عليه الصلاة والسلام في أقواله وأفعاله؟، في سيرته ومعاملاته، في حربه وسلمه، لأصدقائه ولأعدائه.
وإن صفة الرحمة لهي صفة لصيقة بالنبي عليه الصلاة والسلام سارية فيه جارية به، كما يجري الدم في العروق.
هذه الرحمة لم تكن لتصدر منه لولا اتصافه بها وتخلقه بها تخلقا كثيرا حتى أصبحت طبعا من طباعه وعملا لا إراديا من اعماله.
حينما نطوف في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم فسوف نراها كثيراً.
سنرى رحمته فيدعوته لعشيرته وخوفه عليهم من البقاء على الكفر.
سنرى رحمته في دعوته لعمه أبي طالب وإلحاحه عليه وهو في فراش الموت بأن يقول لا إله إلا الله حتى يحاجج بها ربه ليدخله للجنة.
سنرى رحمته تتبدى في صورة زاهية بألوان المحبة وأشكال الحنان، حين رفض رسول الله طلب المَلَك أن يُطبِقَ الجبلين على أهل الطائف الذين عذبوه وضربوه وسلطوا عليه سفهائهم يضربونه بالحجارة.وقال: لا، لعل الله أن يُخرِج من أصلابهم من يعبد الله.
والله إنها صورة تأخذ بلب الإنسان وعقله، وتجعله يقف مذهولا من هذا الخلق العظيم وهذه الرحمة الكبيرة، التي فُقِدَتْ من قلوب الكثير من الدعاة والعلماء والمشايخ، فلا ترى منهم إلا كل جفاء وغلظة وتبديع وتفسيق وتضليل وإخراج المسلمين من الإسلام وإدخالهم في الكفر، ويَدَّعون بعد ذلك أنهم على خُطى الرسول والسلف والقرآن سائرون!!!.
سنرى رحمته بأهله، وكيف يمسك الحسن والحسين ويضمهما إليه .
سنرى رحمته بخدمه، يحدثنا خادم الرسول أنس بن مالك رضي الله عنه فيقول:
ولقد دمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما قال لي قط: أف، ولا قال لشيء فعلته لم فعلته، ولا لشيء لم أفعله ألا فعلت كذا.
يا لها من رحمة كبيرة عشر سنين يخدمه وإنها لمدة طويلة، طويلة جدا،وفي هذه المدة لم ينهره ولم يزجره على شيء فعله أو شيء لم يفعله وقد طًلِبَ منه ان يفعله.
إنها لأخلاق عظيمة لا يتخلق بها إلا كل عظيم، ولا يتصف بها إلا رحيم.
وهكذا على الداع والمسلم أن يكون مع من يدعوهم، والأب والأم في الأسرة، والابن مع الإخوة ، وصاحب العمل مع عامله.
سنرى رحمته بأصحابه الفقراء الذين آواهم وبنى لهم الصُّفة في المسجد النبوي، وكان يعتني بهم ويُنفق عليهم، ويحث الموسرين بالإنفاق عليهم.
هذه رحمة فائضة بعبير الإحسان وعطر المحبة وجمال العمل وجلال الفعل.
ونرى في حياتنا كثيراً من المحتاجين إلى لقمة العيش ليستروا أنفسهم وأهليهم والكثير من المسلمين لا يهتمون ولا يلقون لهم بالا.
فماذا عليهم لو أخذوا من أموالهم كل أسبوع  أو شهر مبلغا بسيطا ليفرجوا به كربة مكروب أو يزيلوا هم مهموم أو يساعدوا به محتاج أو يساهموا في مساعدة من يحتاج لدواء أو عملية بالمستشفى، اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم.

السيرة النبوية و حاجة البشرية والمسلمين إليها


السيرة النبوية و حاجة البشرية والمسلمين إليها:
إن البشرية اليوم نراها مؤرقة المضاجع لما يحيق بها من ويلات منفعية،سيالة المدامع على ما نزل بها من مصائب سببها المنافع الشخصية الآنية،متوترة الأعصاب حيرى فيما تفعل لتجتنب الوقوع في الهاوية او للخروج من هذه الهاوية التي صارت إليها ،ممزقة النفوس فيما بين أفرادها لتعاركهم على الدنيا وتقاتلهم على جمع المال.
إن هذه البشرية التعيسة البائسة في أمسِّ الحاجة إلى مَثَلٍ أَعلَى يهدئ روعها من الخوف الذي أحاط بها، ويَلُمَّ شَعثَهَا من التشتت الذي أصابها،ويُرشِدَ خُطَاها من تيهها وانحرافها،ويَقودها إلى الغايات الكبرى التي يجب أن يكون عليها الناس ساعون، ويَفطِمهًا عن سفاسف الأمور التي رضعتها، ودنايا المقاصد التي حازن على فكرها،ويُوَظِفَ مواهبها المبدعة في البناء الصالح الآمن ،وطاقاتها في الاصلاح والإرشاد المنشود، ويقودها إلى المحاريب والطاعات والعبادات، ويجندها لرب الوجود توحيداً وشريعةً ومنهجاً، ويسوقها إلى حراسة القيم والفضائل المبثوثة في بني الإنسان،ومسح القذى عن المبادئ التي تلطخت بأقوال الماديين وفلسفة العلمانيين وهراء الليبراليين.
ولن تجد البشرية في القاراتِ كلها وفي التاريخ أجمعه؛ إنساناً تجسدت فيه المثل وتمثلت به الفضائل وتحركت به القيم وشَمَخَ على يده البناء الآمن العادل،وشَرُفَتْ به الكلمة الصادقة المخلصة،واستَعلَتْ به الايجابية في الحياة والأحياء،مثل سيّد التاريخ نبي الإسلام رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم الرسول النبي الكريم؛ رائد الدعوة الإسلامية العالمية للإنسانية جمعاء.
إني لأشعر بافتقار الإنسان كل الإنسان في هذا العصر المائج بالفتن والإحن والتفرق والتشتت والتبعثر والأنانية، إلى منهج الله العظيم، والسلوك الراشد القويم ،والخلق القرآني العظيم، الذي تجسد كل ذلك  في رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، و كم الإنسان بحاجة إلى منارته الوضيئة الهادية سبل الهدى والرشاد،ومعالمه البينة المبينة بكل وضوح واخلاص، ومسلكه المستقيم الذي من سلكه ينجو ويشفى،حتى يحيا من موات لحقه ،ويتآلف بعد شتات مزقه. 
إن الحروب التي تعصف بالبلاد قد أهلكت الحرث والنسل، و بَثَّتِ الأمراض بين الناس ، وأنهكت القوى المعدة للبناء والتعمير، والسلبيات التي أطلت بوجهها قد لفت العالم بستائرها السود البغيضة، والمضانك المفقرة لروح الإنسان ونفسه قد عششت في البيوت وتمددت، والاختلاسات من المسؤوليين والموظفين خربت الأوطان وهدمت مسير الحضارة فيها، والجبابرة الظلمة من الحكام والملوك والرؤوساء أذلت الشعوب، والطواغيت نكست الرؤوس وداست على كرامة الناس وخنقت حريتهم في أبسطها وأقلها، ولا تستنقذ الإنسانية من هذا الوباء الداهم على الناس إلا بتطلعها إلى المثل العليا في شخصية محمدرسول الله صلى الله عليه وسلم وسيرها وراءه واقتفائها أثره وامتثالها أمره وتلمسها لسيرته والعمل بها.
وسيرة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم فيها البغية التامة من تنمية العقل وتثقيفه ،وتغذية الوجدان الميت وإحياءه، وترشيد السلوك المنحرف وهديه، وترطيب الجفاف في دنيا معاملات الناس وجعلها سهلة هينة لينة، وإنعاش الذابل من ورود الخير في قلوب المسلمين وبعثه من جديد، وفي سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم اليقظة الصادقة للأحاسيس الغافية التي نامت أو نًوِّمَت ،وفيها الإيقاد للنبضات الإيمانية الهامدة التي خبت جذوتها.
كم نحن بحاجة لتلمس خطى الرسول والاقتداء به و لتعلم السيرة النبوية ، التي هي كوردة ناضرة بين أشواك علمانية لاذعة تُصيب الحياة بآلام وتدمر الإنسان وأحلامه، وكواحة وارفة الظلال وسط صحاري ليبرالية قاحلة لا خير  فيها ولا نفع بها.
وإن تعلم وتعليم السيرة النبوية باكورة طيبة تتوالى بعدها الأزاهير النضاحة والورود الناضرة إن شاء الله تعالى.
نتلمس في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم النبي الخاتم والرسول الخاتم الموحًى إليه من ربه بالقرآن الكريم .
نتلمس في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم المعلم الأول والوحيد والفريد من نوعه والذي لا مثيل له ، نراه يحرص على تعليم القرآن وتحفيظه وتعليمه للمسلمين كما يعلمهم الإيمان والعقيدة الواضحة الناصعة النقية ، كما يعلمهم أمور دينهم  من الأحكام الشرعية والمنهاج الإلهي بعلمه وقوله وإقراره ونصحه وإرشاده ...
نتلمس في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم المربي الحكيم الذي يربي أصحابه على الأخلاق الفاضلة والصفات الحميدة والسمات الحسنة المستقاة من القرآن والمستوحاة من قدوته لهم.
نتلمس في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم العابد الزاهد الشاكر الصابر الذاكر لله تعالى في كل حين ووقت.
نتلمس في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبر في الدعوة وتحمل الأذى من الأقارب والأباعد، كما نتلمس الرحمة العظمى للأصدقاء والأعداء، ومحبة الرسول بأن يهتدي الضال والكافر والمشرك إلى الإسلام.
نتلمس في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم معاني التضحية التي أقام صرحها من أجل دعوة الإسلام، ضّحَّى بوقته وماله وراحته وراحة أهله من أجل أمر الله تعالى أن يتمّ, وحكمه أن يكون تحته الناس.
نتلمس في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم طريقة الدعوة الصحيحة التي غفل عنها كثير ممن يتسمون بالداعي إلى الله ،ذلك أن دعوة الرسول كانت:
بالحكمةوالموعظة الحسنة، باللطف والعطف والرأفة والرحمة، سواء لمنأصبح مسلما ، أو من كان عدوا للرسول الذي رفض أن يُطْبٍقً المًلًك الجبلين على أهل الطائف الكافرين، أو كان مع الصحابي البدري الذي بعث رسالة إلى أهل مكة قبل أن يصل الرسول إليها عند فتح مكة،وقال:لعل الله نظر إلى أهل بدر وقال: افعلوا ما شئتم فإن الله قد غفر لهم. فيا لها من رحمة نُزِعَت من قلوب كثير من العلماء والوعاظ والدعاة في عصرنا فلا ينطقون إلا بالتبديع والتضليل والتفسيق والتكفير وإخراج أهل الإسلام من الإسلام.
نتلمس في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم الشجاعة في الدعوة إلى الله وعدم الخوف من صاحب جاه أو مال أو سلطان، فلم يك يداري أو يماري أو يداهن، كما يفعل البعض من العلماء حين يسكتون عن ظلم الظالم ويسكنون عن بطش المسؤول، وتراهم (يتعنترون) على الضعفاء من المسلمين وعلى النساء فلا يقفون مع حقوقهم الشرعية ويغضون الطرف عن استلاب الحقوق الشرعية من الضعفاء.
نتلمس في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم القائد المحنك في الحروب صاحب الخطط العسكرية والاسترتيجة التي لا تُهزًم.
ليس كما جرى لمن يسمون أنفسهم بقواد الحروب من المسلمين الذين ما يَدخوا معركة إلا ويُهزًمُوا حتى في النصر الوحيد كانت الهزيمة في آخره.
نتلمس في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم السياسي البارع في تعامله مع المشكلات الداخلية التي تحصل  بين أفراد شعبه من المهاجرين والأنصار، كحادثة الأنصاري والمهاجرة ، وكحادثة الإفك، وكحادثة توزيع الغنائم، وسواها الكثير...
ليس كما نراه ونشاهده من كل حاكم أو ملك أو رئيس عربي يصف نفسه من خلال إعلامه بالقيادة الحكيمة الرشيدة ، وهي التي بعيدة عنه بعد الثريا عن الثر، وبعد آخر الكون عن أوله
وكما نتلمس في سيرته سياسته البارعة في تعامله مع المشكلات الداخلية فإنا نرى براعته في سياسته الخارجية مع تعامله مع غيره من أهل الملل ، من اليهود حيث أوجد وثيقة المدينة وهي الأولى في التاريخ..
وكعقده الاتفاقيات مع القبائل حول المدينة قبل أن يغزو ليأمن جانبهم، وكإرساله الرسائل للملوك والأمراء ، واستقباله للوفود، وسواه الكثير...
سياسة بارعة قائمة على أخذ  الحق وعدم الإفراط به مع الرحمة واللطف ورقة المعاملة والوفاء بالوعد، وعدم الخضوع والخنوع للأعداء كما يحصل مع الدول العربية ومن يَدَّعون أنهم يسيرون على منهج القرآن والسلف والسنة، وهم بعيدون عن المنهج بُعدَ الشيطان عن الجنة...
نتلمس في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم  أبوته الحانية على أهل بيته وعلى المسلمين وعلى فقرائهم ومساعدته لهم ووقوفه بجانب الضعيف ومساعدته للصغار وتعليمهم الإسلام بالقدوة الحسنة والتعليم والنصح.
لا ما نراه من بعض العلماء والدعاة من القسوة والغلظة والجفاء الذي يُنَفِّر من الإسلام ويُخرِج المسلم عن دينه...
نتلمس في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم اهتمام الرسول بأن يكون أصحابه من أهل المساجد و أهل العلم وأهل التربية ، فكان المسجد أول عمل قام به الرسول بعد الهجرة،بناء مسجد يكون مكان العبادة ومنه يتخرج الفرسان والقواد وفيه مجالس العلم وتركية النفوس والتربية الإيمانية، فكانوا خير القرون وأفضلها.
نتلمس في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم الحرص على وحدة المسلمين وتعاونهم وإخائهم وهو  ثاني عمل قام به بعد الهجرة، وهذا له أبعاد كثيرة وواسعة..
نتلمس من سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم العدل في الأحكام وعدم الانحياز لطرف دون آخر، ولشخص دون آخر، حتى في أصغر الأمور وأقلها.
وبعد، فإن هناك الكثير مما نتلمس من سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذا كانت دراسة سيرة الرسول وتلعمها وتعليمها من واجبات المسلم على نفسه وعلى أسرته وعلى إخوانه من المسلمين والمؤمنين.
ولذاك كان الصحابة يتعلمون سيرة رسول الله ويعلمونها لأولادهم. 

الخميس، 2 يناير 2014

الفرق بين (ألم يروا) و(أولم يروا) و(أفلم يروا)


الفرق بين (ألم يروا) و(أولم يروا) و(أفلم يروا) :
من أي الجهات أتيتَ للقرآن الكريم تدرسه وتقرأه وتتلوه فإنك ستخرج بفائدة علمية أو معرفية أو إيمانية تُضَاف إلى رصيدك الفكري (وقل ربي زدني علما).
ذلك أن القرآن الكريم فيه علوم لا تنضب، ومعين لمعارف لا تنتهي ومحل لأدوية لا تنفذ ومصدر للسعادة لا تتوقف (ما فرّطنا في الكتاب من شيء) .
ويحصل عليها أولئك الذين يحرصون على إيمانهم من الضياع، وآخرون يسعون لتقوية إيمانهم وزيادة علومهم، وآخرون منهم يلتمسون أبواب المعرفة التي ترفع من شأنهم عند الله في سُلَّم الدرجات في الجنات، إن أَتْبَعُوا عِلمَهُم بالعمل، وقَرَنُوا معرفتهم بالتطبيق، وحَوَّلُوا ما عَلِمُوه وفَهِمُوه إلى أعمالٍ تُشَاهَد وأفعالٍ تُرَى.
وهذا ما يفعله القرآن بالمسلم الذي يقرأه بتدبر ويتلوه بتأمل وينظر لآياته بعقله وفكره القائم على الكتاب والسنة والمـُلِم بعلوم ومعارف تزيد في فهم القرآن ومعرفة آياته.
و لقد أمر الله تعالى بتدبر القرآن الكريم، فقال سبحانه : { كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ } ، وقال تعالى : { أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}.
وهذه دعوة للمسلمين في أن يقرؤوا القرآن ويتدبروا معانيه ويفهموا مراميه ويعرفوا مقاصده، ليطبقوا أوامره ويبتعدوا عن نواهيه، ويلتزموا وصاياه، ويسمعوا نداءاته سماع المؤمن الحريص على التطبيق والتنفيذ.
  والذي يتمعن في القرآن الكريم فإنه سيجد فروقاً في:
( ألم يروا كم أهلكنا ...) الأنعام آية 6
(أولم يروا ..) سورة الرعد آية 41
(أفلم يروا...) سورة سبأ آية 9
جاءت همزة الاستفهام في آية الأنعام بغير فاء أو واو [ألم يروا]
 وفي آية الرعد بالواو[أولم يروا]
وفي آية سبأ بالفاء [أفلم يروا].
 فهل هناك فرق في المعنى بينها؟!
إذا كان الاعتبار من الرؤية بالمشاهدة والأمر الحاضر يأتي بالواو كما في آية الرعد[أولم يروا]
وكذلك الأمر بالفاء يأتي بها كما في آية سبأ[أفلم يروا] لأن الفاء أشد اتصالا من الواو.
أما إن كان الاعتبار من الرؤية بالاستدلال والنظر العقلي، فإنه يأتي بدون الواو أو الفاء كما في آية الأنعام[ألم يروا] وذلك ليجري مجرى الاستئناف لأنه تحدَّث عن إهلاك من قبلهم، وهو أمر غائب غير شاهد.
حين تكون الرؤية بالمشاهدة الحاضرة حاصلة بالإنكار يأتي بـ[أولم يروا] أو [أفلم يروا] بالواو أو الفاء الدالة على شدة الإنكار، مثل قوله ( أو لم يروا إلى الأرض كم أنبتنا فيها...)

1-في (أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ فِى الاَْرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَآءَ عَلَيْهِم مَّدْرَاراً وَجَعَلْنَا الأنهار تَجْرِى مِن تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْناً ءَاخَرِينَ) الأنعام آية 6:
هذه الجملة بيان لجملة : ( فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئون . جاء بيانها بطريقة الاستفهام الإنكاري عن عدم رؤية القرون الكثيرة الذين أهلكتهم حوادث خارقة للعادة يدلّ حالها على أنّها مسلّطة عليهم من الله عقاباً لهم على التكذيب .
والرؤية يجوز أن تكون قلبية ، أي ألم يعلموا كثرة القرون الذين أهلكناهم ، ويجوز أن تكون بصرية بتقدير : ألم يروا آثار القرون التي أهلكناها كديار عاد وحِجْر ثمود ، وقد رآها كثير من المشركين في رحلاتهم ، وحدّثوا عنها الناس حتى تواترت بينهم فكانت بمنزلة المرئي وتحقّقتها نفوسهم .
و(أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا)استئناف مسوق لتعيين ما هو المراد بالأنباء التي سبق بها الوعيد وتقرير إتيانها بطريق الاستشهاد وهمزة الإنكار لتقرير الرؤية وهي عرفانية مستدعية لمفعول واحد.

2-وفي (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ) سورة الرعد آية 41:
الهمزة للإنكار والواو للعطف على مقدر يستدعيه المقام والرؤية القلبية أي ألم يتفكروا ولم يعلموا علما جازما في حكم المشاهدة والعيان.
والاستفهام للإنكار والواو للعطف على مقدر يقتضيه المقام أي أأنكروا نزول ما وعدناهم أو أشَكُّوا أو ألم ينظروا في ذلك ولم يروا.
وهو  إشارة إلى ما هو كالمركوز في الأذهان ولهذا قال بطريق الاستفهام { أولم يروا }.
وقرءائة العامة بالياء على الخبر والتوبيخ لهم.
والمعنى : أعمى هؤلاء الكافرين عن التفكير والاعتبار ، ولم يروا كيف أن قدرة الله القاهرة ، قد أتت على الأمم القوية الغنية - حين كفرت بنعمه - سبحانه - ، فصيرت قوتها ضعفا وغناها فقرا ، وعزها ذلا ، وأمنها خوفا . . وحصرتها فى رقعة ضيقة من الأرض ، بعد أن كانت تملك الأراضي الفسيحة ، والأماكن المترامية الأطراف .
وتقرير الآية عليه : أو لم يروا أنا نحدث فى الدنيا من الاختلافات خرابا بعد عمارة ، وموتا بعد حياة ، وذلا بعد عز . . فما الذى يؤمنهم أن يقلب الله - تعالى - الأمر عليهم فيجعلهم أذلة بعد أن كانوا أعزة .
فالآية الكريمة بشارة للمؤمنين ، وإنذار للكافرين .
3- في (أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الأرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ) سورة سبأ آية 9
في قوله تعالى {أفلم يروا} الرأيان المشهوران قدره الزمخشري أفعموا فلم يروا وغيره يدعي أن الهمزة مقدمة على حرف العطف ، وقوله {من السماء} بيان للموصول فيتعلق بمحذوف .
 ويجوز أن يكون حالاً فيتعلق به أيضاً .
 وهناك حال محذوفة تقديره : أفلم يروا إلى كذا مقهوراً تحت قدرتنا أو محيطاً بهم فيعلموا أنهم حيث كانوا فإن أرضي وسمائي محيطة بهم لا يخرجون من أقطارها ، وأنا القادر عليهم
وإنما ذكر (أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ) ؛ لأن الإنسان إذا خرج من داره لا يرى إلا السماء والأرض وما فيهما ؛ لأن السماء والأرض محيطتان بالخلق ، فكأن أحدهما بين أيديهم ، والأخرى خلفهم بمعنى الإحاطة .
و (أَفَلَمْ يَرَوْا)استئناف مسوق لتهويل ما اجترءوا عليه من تكذيب آيات الله تعالى واستعظام ما قالوا في حقه وانه من العظائم الموجبة لنزول اشد العقاب وحلول افظع العذاب من غير ريث وتأخير والفاء للعطف على مقدر يقتضيه المقام.
والاستفهام في (أَفَلَمْ يَرَوْا) للتعجب من حالهم ، ومن ذهولهم عن الفكر والتدبر
والفاء في (أَفَلَمْ يَرَوْا) للعطف على مقدر أي : افعلوا ما فعلوا من المنكر المستتبع للعقوبة فلم ينظروا إلى ما أحاط بهم من جميع جوانبهم بحيث لا مفرّ لهم وهو السماء والأرض فإنهما أمامهم وخلفهم وعن يمينهم وشمالهم حيثما كانوا وساروا.
والمعنى:
أفلم ينظر هؤلاء المكذبون بالمعاد الجاحدون البعث بعد الممات القائلون لرسولنا محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم(أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ) إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والأرض، فيعلموا أنهم حيث كانوا فإن أرضي وسمائي محيطة بهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم؛ فيرتدعوا عن جهلهم وينزجروا عن تكذيبهم بآياتنا حذرًا أن نأمر الأرض فتخسف بهم أو السماء فتسقط عليه قطعًا، فإنا إن نشأ نفعل ذلك بهم فعلنا.
والله أعلم.
والقرآن :
به علقتُ آمالاً كباراً ***لجيل لا يذل ولا يهونُ
لجيل يقرأ القرآن غضاً  ***يرتله فتنتعش الغصونُ
يرتله فترتحل المآسي ***وللجنات ينبعث الحنينُ
ويتعظ المقصر حين يصغي ***ويزجر بالقوارع من يلينُ
لجيل يجعل القرآن نهجاً ***ودستوراً وأخلاقاً تبينُ
ونوراً يستضيء به دواماً ***وخلاً لا يمخرق أو يخونُ
يصون النفس عن درك الدنايا ***ويدعو للمكارم بل يعينُ
به تحيى القلوب فلا تراها ***تراودها الوساوس والظنونُ
فيا من يبتغي مجداً وفخراً ***دليل المجد قرآن مبينُ
ويا من يبتغي خلاً وفياً ***تيمم شطره نعم القرينُ

المصدر:
-البرهان 4/150
-كشف المعاني ص 155.
-التحرير والتنوير ـ الطبعة التونسية،الشيخ محمد الطاهر بن عاشور 7/136-137
تفسير روح البيان، إسماعيل حقي 3/405
-تفسير النيسابوري 6/180
-الجامع لأحكام القرآن،القرطبي 13/298.
-روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني ،الألوسي9/300 ، 7/206
-التفسير الوسيط،محمد سيد طنطاوي.
-تفسير السراج المنير ، الشربيني 3/237
- تفسير القرآن،أبو المظفر منصور بن محمد بن عبد الجبار السمعاني 4/318
- جامع البيان في تأويل القرآن ، أبو جعفر الطبري 20/355,
-تفسير أبي السعود 7/123

الفرق بين (عن مواضعه) و (من بعد مواضعه)


الفرق بين (عن مواضعه) و (من بعد مواضعه):
إنه ليعتري المسلم الحق فرحٌ في القلب ونشوةٌ في الروح وطريق في النفس، لما يطلع على بلاغة القرآن وجمال نظمه ورقة تعبيره، فتهتز أساريره كما انتفض العصفور بَلَلَهُ القطر، ويعتريه هزةٌ لها بين الجوانح دبيبُ.
وهذا حال المسلم المتفكر في آي القرآن المتبصر في روائع بيانه وجمال تعبيره، تحقيقا لقوله عز وجل(أفلا يتدبرون القرآن) وتطبيقا لـ( ولقد يسرنا القرآن فهل من مُدَّكِر)
وهذه الآيات داعيات المسلم إلى الوقوف على حروف وكلمات القرآن وجمله وعباراته وآياته وسوره وقوف المتأمل المتبصر المستبصر في معانيها، والمستكشف عن بلاغتها، والمتتبع لبيانها، والمتعرف لأهدافها، كي يغذي عقله بالعلم ، وفهمه بالمعرفة، وقلبه بحب الله وحب رسوله وحب كتابه وحب الإسلام، ليغدو مدافعا مناضلا عن هذا الدين العظيم وعن رسوله وعن كتابه، وكي يمتلئ قبله بالإجلال والعظمة لمُنزِل القرآن .
فتعالوا لنلقي نظرة على الفرق بين عن مواضعه و من بعد مواضعه:
في سورة النساء (يُحَرفون الكلم عن مواضعه)
في سورة المائدة(يحرفون الكلم من بعد مواضعه)

أما في سورة النساء : (عن مواضعه)، لأنهم يزيلونه عن موضعه ويبدلونه ويضعون مكانه كلاما آخر غيره، وبذلك قد أمالوه عن مواضعه التي وضعه الله فيها. وأزالوه نها.
وأما في سورة المائدة: (من بعد مواضعه): لأن الكلام له موضع وهو أولى أن يكون فيه،فحين حرفوه  نقلوه من الموضع الذي وضعه الله فيه فصار مكانه ومستقره إلى غير موضعه الذي كان فيه أصلا، وهذا يقال فيه: من بعد مواضعه.
ومثال التحريف عن مواضعه : كما قالوا لما أمروا أن يقولوا (حطة) عند دخول القرية، فحرفوها عن موضعها وقالوا( حنطة) فجاءت (عن) في (عن مواضعه) مناسبة لما فعلوه.
وفي هذا إشارة إلى أنههم شعب لايوثق به ولا بمعاهداتهم ولا بوعودهم، وهذا الأمر رغم أنه معروف، فإن بعض حكام العرب الحمقى أقاموا معهم معاهدات سلام وصدقوا وعودهم.
وقد يكون التحريف في آية النساء في قوله(يُحَرفون الكلم عن مواضعه) هو إشارة إلى التحريف الأول لليهود عند نزول التوراة، فغيروا وبدلوا.
وأما آية المائدة، فإيماء إلى تحريف بني إسرائيل في زمن الرسول عليهم الصلاة والسلام عندما غيروا ما قيل لهم في التوراة بغير معناه، مما بقي من آيات لم تُحرف.
فـ(عن) لما قَرُبَ من الأمر، و(بعد) لما بَعُدَ من الأمر.
وجاء هنا : { عَن مَّوَاضِعِهِ } ، وفي المائدة : { مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ } :
 أمَّا ( عن مواضِعه ) فَعَلى ما فَسَّرناه من إزالته عن مواضِعه التي أَوْجَبَتْ حكمةُ اللهِ وَضْعَه فيها بما اقتضَتْ شهواتُهم من إبدالِ غيره مكانَه .
 وأما { مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ } فالمعنى أنه كانت له مواضع هو جدير بأن يكونَ فيها ، فحين حَرَّفوه تركوه كالغريب الذي لا موضع له بعد مواضعه ومقارِّه ، والمعنيان متقاربان  .
وقد يقال إنهما سِيَّان ، لكنه حُذِف هنا وفي أول المائدة{مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ }.
 لأنَّ قولَه ( عَنْ مَّواضِعِه ) يدلُّ على استقرارِ مواضعَ له .
 وحُذِف في ثاني المائدة ( عن مواضِعِه ) لأنَّ التحريفَ من بعد مواضعه يدل على أنه تحريفٌ عن مواضعِه .
فالأصلُ : يُحَرِّفون الكلمَ من بعد مواضعِه عنها ، فَحَذَف هنا البعدية وهناك ( عنها ) توسُّعاً في العبارةِ ، وكانت البداءةُ هنا بقوله ( عن مواضعِه ) لأنه أخصرُ ، وفي تنصيصٌ باللفظِ على ( عن ) وعلى المواضعِ وإشارةٌ إلى البعدِيَّة   .
والظاهرُ أنهم حيث وُصِفوا بشدةِ التمرُّدِ والطغيانِ وإظهارِ العداوةِ واشتراءِ الضلالةِ ونَقْضِ الميثاق جاء { يُحَرِّفُونَ الكلم عَن مَّوَاضِعِهِ } كأنهم حَرَّفوها من أولِ وهلةٍ قبل استقرارها في مواضعها وبادَرُوا إلى ذلك .
 ولذلك جاء أَوَّلُ المائدة كهذهِ الآيةِ حيث وصفهم بنقضِ الميثاق وقسوةِ القلوب .
 وحيث وُصِفوا باللين وترديدِ الحكم إلى الرسول جاء { مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ } كأنهم لم يبادِروا إلى التحريفِ ، بل عرض لهم بعد استقرارِ الكلمِ في مواضعِها فهما سياقان مختلفان.
وعبر بـ" من بعد مواضعه " وفي مواطن أخرى بقوله { عَن مَّوَاضِعِهِ } :
لأن المقام هنا للحديث عن الأحكام المستقرة الثابتة التي حاول أولئك المسارعون في الكفر تغييرها وإحلال أحكام أخرى محلها تبعاً لأهوائهم كما حدث في قضية الزنا وفي غيرها من القضايا التي تحاكموا فيها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان من المناسب هنا التعبير بقوله : { مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ } أي : من بعد استقرار مواضعه وثبوتها لا يقبل التحريف أو التغيير أو الإِهمال .
وإن إدراج لفظ { بَعْدَ } للتنبيه على تنزيل الكلم منزلة هي أدنى مما وضعت فيه لأنه إبطال النافع بالضار لا بالنافع أو الأنفع ، فكأن المحرف واقف في موضع هو أدنى من موضع الكلمة يحرفها إلى موضعه ، ولا يخفى بعده ، وقال بعضهم : إن { مِنْ } للابتداء ، ولفظ { بَعْدَ } للإشارة إلى أن التحريف مما بعد إلى موضع أبعد ، وفيه من المبالغة في التشنيع ما لا يخفى ، وقرأ إبراهيم يحرفون الكلام عن مواضعه .
وفي الآية: { مِنَ الذين هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الكلم عَن مَّوَاضِعِهِ } ، فكأن المسألة لها أصل عندهم ، فالكلام المنزل من الله وضع - أولا - وضعه الحقيقي ثم أزالوه وبدَّلوه ووضعوا مكانه كلاما غيره مثل تحريفهم الرجم بوضعهم الحد مكانه .
أما قوله : { مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ } فتفيد أنهم رفعوا الكلام المقدس من موضعه الحق ووضعوه موضع الباطل ، بالتأويل والتحريف حسب أهوائهم بما اقتضته شهواتهم ، فكأنه كانت له مواضع . وهو جدير بها ، فحين حرفوه تركوه كالغريب المنقطع الذي لا موضع له ، فمرة يبدلون كلام الله بكلام من عندهم ، ومرة أخرى يحرفون كلام الله بتأويله حسب أهوائهم.
وعندما يُنقَل إليهم الكلام يحاولون تصويره على الغرض الذي يريدون ، ولذلك يقول عنهم الحق : { يُحَرِّفُونَ الكلم مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ } : أي أنهم يُحرِّفون الكلام بعد أن استقر في مَواضعه ويستخرجونه منها فيهملونه ويزيلونه عن مواضعه بعد ان وضعه الله فيها وذلك بتغيير أحكام الله ، وقال الحق فيها أيضاً من قبل ذلك : { يُحَرِّفُونَ الكلم عَن مَّوَاضِعِهِ } [ المائدة : 13 ] أي أنهم حَرَّفُوا الكلام قبل أن يستقر .
وقوله تعالى : { يُحَرّفُونَ الْكَلم عَن مّوَاضِعِهِ } هو وما عطف عليه بيان لاشترائهم بالمذكور ، وتفصيل لفنون ضلالهم ، فقد روعيت في النظم الكريم طريقة التفسير بعد الإبهام ، والتفصيل إثر الإجمال ، روماً لزيادة تقرير يقتضيه الحال ، أفاده أبو السعود .
قال الإمام ابن كثير : قوله : { يُحَرّفُونَ الْكَلم عَن مّوَاضِعِهِ } أي : يتناولونه على غير تأويله ، ويفسرونه بغير مراد الله عز وجل ، قصداً منهم وافتراء .
وقال العلامة الرازيّ : في كيفية التحريف وجوه :
أحدها : إنهم كانوا يبدلون اللفظ بلفظ آخر .
والثاني : أن المراد بالتحريف إلقاء الشبه الباطلة والتأويلات الفاسدة وصرف اللفظ من معناه الحق إلى معنى باطل بوجوه الحيل اللفظية ، كما يفعله أهل البدعة في زماننا هذا ، بالآيات المخالفة لمذاهبهم ، وهذا هو الأصح .
والثالث : أنهم كانوا يدخلون على النبي صَلّى اللهُ عليّه وسلّم ، ويسألونه عن أمر فيخبرهم ليأخذوا به ، فإذا خرجوا من عنده حرفوا كلامه . انتهى .
وقال الرازيّ : ذكر الله تعالى ههنا : { عَن مّوَاضِعِهِ } وفي المائدة : { مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ } والفرق : إنا إذا فسرنا التحريف بالتأويلات الفاسدة لتلك النصوص ، وليس فيه بيان أنهم يخرجون تلك اللفظة من الكتاب ، وأما الآية المذكورة في سورة المائدة ، فهي دالة على أنهم جمعوا بين الأمرين ، فكانوا يذكرون التأويلات الفاسدة وكانوا يخرجون اللفظ أيضاً من الكتاب ، فقوله : { يُحَرّفُونَ الْكَلم } إشارة إلى التأويل الباطل ، وقوله : { مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ } إشارة إلى إخراجه عن الكتاب .
والله أعلم.
هُنا نزل القرآن من أول الأمرِ***هُنا في حراء أشرقت شمس ذا الفجرِ
هُنا جبل النور الذي في فؤاده*** تلألأ نور العلم في صفحة الدهرِ
بمكة شع النور وانكشف الدجى***وعُلِّم خير الخلق ما لم يكن يدري
بها خير قُرَّاء الخليقة قد بدا***مسيرتَه الكبرى مع الآي والذكرِ
فقال له جبريل[ اقرأ] وضمّهُ***وأرسله أخرى لِتهيئةِ الأمرِ
فقال له { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ } بعدما***تهيّأ قلب المصطفى للذي يجري
فنُبِّي بـ{ اقْرَأْ } ثم أرسل بالتي***بها{ قُمْ فَأَنذِرْ } بغتة البعث الحشرِِ
هُنا حميَ الوحيُ الذي أنقذ الورى***فكان رسول الله يتلوا على الإثرِ
فأوحى إليه الله أن كُفَّ لا تخفْ***فإنَّ علينا جمعهُ لك في الصدرِ
وعلَّمه أصحابَه فانبرَوْا له***كـ"زيدٍ، أُبيٍّ، وابنِ عفانَ، والحَبرِ"
ومن بعدُ جاء التابعون فمنهمُ***يزيد بن قعقاعٍ، كذا الحسن البصري
وجاءتْ قرونٌ بعضها إثر بعضها***ويحظى كتاب الله بالحفظِ والنشرِ
فأحيِ إلهي بالقرآنِ قلوبنا***ولا تحرِمَنَّا ربَنا وافرَ الأجرِ
وصلِ على خير الأنامِ وصحبهِ***مع الآلِ والأتباعِ في موكبِ البِرِّ
المصدر:
-الكشاف 1/530
-كشف المعاني ص146
-الدر المصون في علم الكتاب المكنون، السمين الحلبي.1/1128
-التفسير الوسيط،محمد سيد طنطاوي 1/1267
-روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني ،الألوسي 4/489
-تفسير الشعراوي 1/1559 و 2170 .
- محاسن التأويل، محمد جمال الدين القاسمي