الاثنين، 6 يناير 2014

السيرة النبوية و حاجة البشرية والمسلمين إليها


السيرة النبوية و حاجة البشرية والمسلمين إليها:
إن البشرية اليوم نراها مؤرقة المضاجع لما يحيق بها من ويلات منفعية،سيالة المدامع على ما نزل بها من مصائب سببها المنافع الشخصية الآنية،متوترة الأعصاب حيرى فيما تفعل لتجتنب الوقوع في الهاوية او للخروج من هذه الهاوية التي صارت إليها ،ممزقة النفوس فيما بين أفرادها لتعاركهم على الدنيا وتقاتلهم على جمع المال.
إن هذه البشرية التعيسة البائسة في أمسِّ الحاجة إلى مَثَلٍ أَعلَى يهدئ روعها من الخوف الذي أحاط بها، ويَلُمَّ شَعثَهَا من التشتت الذي أصابها،ويُرشِدَ خُطَاها من تيهها وانحرافها،ويَقودها إلى الغايات الكبرى التي يجب أن يكون عليها الناس ساعون، ويَفطِمهًا عن سفاسف الأمور التي رضعتها، ودنايا المقاصد التي حازن على فكرها،ويُوَظِفَ مواهبها المبدعة في البناء الصالح الآمن ،وطاقاتها في الاصلاح والإرشاد المنشود، ويقودها إلى المحاريب والطاعات والعبادات، ويجندها لرب الوجود توحيداً وشريعةً ومنهجاً، ويسوقها إلى حراسة القيم والفضائل المبثوثة في بني الإنسان،ومسح القذى عن المبادئ التي تلطخت بأقوال الماديين وفلسفة العلمانيين وهراء الليبراليين.
ولن تجد البشرية في القاراتِ كلها وفي التاريخ أجمعه؛ إنساناً تجسدت فيه المثل وتمثلت به الفضائل وتحركت به القيم وشَمَخَ على يده البناء الآمن العادل،وشَرُفَتْ به الكلمة الصادقة المخلصة،واستَعلَتْ به الايجابية في الحياة والأحياء،مثل سيّد التاريخ نبي الإسلام رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم الرسول النبي الكريم؛ رائد الدعوة الإسلامية العالمية للإنسانية جمعاء.
إني لأشعر بافتقار الإنسان كل الإنسان في هذا العصر المائج بالفتن والإحن والتفرق والتشتت والتبعثر والأنانية، إلى منهج الله العظيم، والسلوك الراشد القويم ،والخلق القرآني العظيم، الذي تجسد كل ذلك  في رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، و كم الإنسان بحاجة إلى منارته الوضيئة الهادية سبل الهدى والرشاد،ومعالمه البينة المبينة بكل وضوح واخلاص، ومسلكه المستقيم الذي من سلكه ينجو ويشفى،حتى يحيا من موات لحقه ،ويتآلف بعد شتات مزقه. 
إن الحروب التي تعصف بالبلاد قد أهلكت الحرث والنسل، و بَثَّتِ الأمراض بين الناس ، وأنهكت القوى المعدة للبناء والتعمير، والسلبيات التي أطلت بوجهها قد لفت العالم بستائرها السود البغيضة، والمضانك المفقرة لروح الإنسان ونفسه قد عششت في البيوت وتمددت، والاختلاسات من المسؤوليين والموظفين خربت الأوطان وهدمت مسير الحضارة فيها، والجبابرة الظلمة من الحكام والملوك والرؤوساء أذلت الشعوب، والطواغيت نكست الرؤوس وداست على كرامة الناس وخنقت حريتهم في أبسطها وأقلها، ولا تستنقذ الإنسانية من هذا الوباء الداهم على الناس إلا بتطلعها إلى المثل العليا في شخصية محمدرسول الله صلى الله عليه وسلم وسيرها وراءه واقتفائها أثره وامتثالها أمره وتلمسها لسيرته والعمل بها.
وسيرة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم فيها البغية التامة من تنمية العقل وتثقيفه ،وتغذية الوجدان الميت وإحياءه، وترشيد السلوك المنحرف وهديه، وترطيب الجفاف في دنيا معاملات الناس وجعلها سهلة هينة لينة، وإنعاش الذابل من ورود الخير في قلوب المسلمين وبعثه من جديد، وفي سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم اليقظة الصادقة للأحاسيس الغافية التي نامت أو نًوِّمَت ،وفيها الإيقاد للنبضات الإيمانية الهامدة التي خبت جذوتها.
كم نحن بحاجة لتلمس خطى الرسول والاقتداء به و لتعلم السيرة النبوية ، التي هي كوردة ناضرة بين أشواك علمانية لاذعة تُصيب الحياة بآلام وتدمر الإنسان وأحلامه، وكواحة وارفة الظلال وسط صحاري ليبرالية قاحلة لا خير  فيها ولا نفع بها.
وإن تعلم وتعليم السيرة النبوية باكورة طيبة تتوالى بعدها الأزاهير النضاحة والورود الناضرة إن شاء الله تعالى.
نتلمس في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم النبي الخاتم والرسول الخاتم الموحًى إليه من ربه بالقرآن الكريم .
نتلمس في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم المعلم الأول والوحيد والفريد من نوعه والذي لا مثيل له ، نراه يحرص على تعليم القرآن وتحفيظه وتعليمه للمسلمين كما يعلمهم الإيمان والعقيدة الواضحة الناصعة النقية ، كما يعلمهم أمور دينهم  من الأحكام الشرعية والمنهاج الإلهي بعلمه وقوله وإقراره ونصحه وإرشاده ...
نتلمس في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم المربي الحكيم الذي يربي أصحابه على الأخلاق الفاضلة والصفات الحميدة والسمات الحسنة المستقاة من القرآن والمستوحاة من قدوته لهم.
نتلمس في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم العابد الزاهد الشاكر الصابر الذاكر لله تعالى في كل حين ووقت.
نتلمس في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبر في الدعوة وتحمل الأذى من الأقارب والأباعد، كما نتلمس الرحمة العظمى للأصدقاء والأعداء، ومحبة الرسول بأن يهتدي الضال والكافر والمشرك إلى الإسلام.
نتلمس في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم معاني التضحية التي أقام صرحها من أجل دعوة الإسلام، ضّحَّى بوقته وماله وراحته وراحة أهله من أجل أمر الله تعالى أن يتمّ, وحكمه أن يكون تحته الناس.
نتلمس في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم طريقة الدعوة الصحيحة التي غفل عنها كثير ممن يتسمون بالداعي إلى الله ،ذلك أن دعوة الرسول كانت:
بالحكمةوالموعظة الحسنة، باللطف والعطف والرأفة والرحمة، سواء لمنأصبح مسلما ، أو من كان عدوا للرسول الذي رفض أن يُطْبٍقً المًلًك الجبلين على أهل الطائف الكافرين، أو كان مع الصحابي البدري الذي بعث رسالة إلى أهل مكة قبل أن يصل الرسول إليها عند فتح مكة،وقال:لعل الله نظر إلى أهل بدر وقال: افعلوا ما شئتم فإن الله قد غفر لهم. فيا لها من رحمة نُزِعَت من قلوب كثير من العلماء والوعاظ والدعاة في عصرنا فلا ينطقون إلا بالتبديع والتضليل والتفسيق والتكفير وإخراج أهل الإسلام من الإسلام.
نتلمس في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم الشجاعة في الدعوة إلى الله وعدم الخوف من صاحب جاه أو مال أو سلطان، فلم يك يداري أو يماري أو يداهن، كما يفعل البعض من العلماء حين يسكتون عن ظلم الظالم ويسكنون عن بطش المسؤول، وتراهم (يتعنترون) على الضعفاء من المسلمين وعلى النساء فلا يقفون مع حقوقهم الشرعية ويغضون الطرف عن استلاب الحقوق الشرعية من الضعفاء.
نتلمس في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم القائد المحنك في الحروب صاحب الخطط العسكرية والاسترتيجة التي لا تُهزًم.
ليس كما جرى لمن يسمون أنفسهم بقواد الحروب من المسلمين الذين ما يَدخوا معركة إلا ويُهزًمُوا حتى في النصر الوحيد كانت الهزيمة في آخره.
نتلمس في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم السياسي البارع في تعامله مع المشكلات الداخلية التي تحصل  بين أفراد شعبه من المهاجرين والأنصار، كحادثة الأنصاري والمهاجرة ، وكحادثة الإفك، وكحادثة توزيع الغنائم، وسواها الكثير...
ليس كما نراه ونشاهده من كل حاكم أو ملك أو رئيس عربي يصف نفسه من خلال إعلامه بالقيادة الحكيمة الرشيدة ، وهي التي بعيدة عنه بعد الثريا عن الثر، وبعد آخر الكون عن أوله
وكما نتلمس في سيرته سياسته البارعة في تعامله مع المشكلات الداخلية فإنا نرى براعته في سياسته الخارجية مع تعامله مع غيره من أهل الملل ، من اليهود حيث أوجد وثيقة المدينة وهي الأولى في التاريخ..
وكعقده الاتفاقيات مع القبائل حول المدينة قبل أن يغزو ليأمن جانبهم، وكإرساله الرسائل للملوك والأمراء ، واستقباله للوفود، وسواه الكثير...
سياسة بارعة قائمة على أخذ  الحق وعدم الإفراط به مع الرحمة واللطف ورقة المعاملة والوفاء بالوعد، وعدم الخضوع والخنوع للأعداء كما يحصل مع الدول العربية ومن يَدَّعون أنهم يسيرون على منهج القرآن والسلف والسنة، وهم بعيدون عن المنهج بُعدَ الشيطان عن الجنة...
نتلمس في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم  أبوته الحانية على أهل بيته وعلى المسلمين وعلى فقرائهم ومساعدته لهم ووقوفه بجانب الضعيف ومساعدته للصغار وتعليمهم الإسلام بالقدوة الحسنة والتعليم والنصح.
لا ما نراه من بعض العلماء والدعاة من القسوة والغلظة والجفاء الذي يُنَفِّر من الإسلام ويُخرِج المسلم عن دينه...
نتلمس في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم اهتمام الرسول بأن يكون أصحابه من أهل المساجد و أهل العلم وأهل التربية ، فكان المسجد أول عمل قام به الرسول بعد الهجرة،بناء مسجد يكون مكان العبادة ومنه يتخرج الفرسان والقواد وفيه مجالس العلم وتركية النفوس والتربية الإيمانية، فكانوا خير القرون وأفضلها.
نتلمس في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم الحرص على وحدة المسلمين وتعاونهم وإخائهم وهو  ثاني عمل قام به بعد الهجرة، وهذا له أبعاد كثيرة وواسعة..
نتلمس من سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم العدل في الأحكام وعدم الانحياز لطرف دون آخر، ولشخص دون آخر، حتى في أصغر الأمور وأقلها.
وبعد، فإن هناك الكثير مما نتلمس من سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذا كانت دراسة سيرة الرسول وتلعمها وتعليمها من واجبات المسلم على نفسه وعلى أسرته وعلى إخوانه من المسلمين والمؤمنين.
ولذاك كان الصحابة يتعلمون سيرة رسول الله ويعلمونها لأولادهم. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق